إن الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور.
وان الحروب وهلاك الإنسانية ما تأتي إلا من جراء كلمة، فالكلمة مسؤولية ومن هنا تأتي أهمية الوسيلة الإعلامية التي تنقل هذه الكلمة.
فلا شك أن الإعلام بوسائله المختلفة التقليدية منها والحديثة هو الناتج الذي استحوذ على معظم ثمار التقدم في الحضارة الإنسانية في الوقت الحاضر، فلقد تطورت أدواته واتسعت مساحاته واشتدت تأثيراته حتى بات الناس على دين إعلامهم .
وتعدى الإعلام الدور التقليدي الذي عهدناه عليه رغم تأثيره القوي، إلا انه الآن بات ذو تأثير فتاك، حتى أصبح هو الوسيلة التي تنقل الأفكار والأعمال والأفعال وتملك القدرة على الإقناع وخلق رأي عام مناوئ أو مساند لما يطرحه من قضايا على المشاهد أو المتلقي.
وبات الإعلام وسيلة وأداة فاعلة سواء في البناء أو الهدم، فهو وسيلة لدعم قيم الإنتاج والتسامح واحترام الآخر، على قدر ما هو وسيلة لزرع الكره والطائفية والعنصرية، ومن هذا المنطلق فان عليه مسئوليات جسام في جعل عموم الناس يتمسكون بقيم الإسلام الوسطي التي هي ابعد ما يكون عن الغلو. وللإعلام دوره أيضا كأداة لدفع عجلة النمو والتنمية المستدامة في عالمنا العربي الذي يشهد في معظم أرجائه تراجعا في أداء الاقتصاد وانخفاضا في معدلات النمو والتنمية، وتدنيا لقيم العمل والإنتاج والبعد عن تحمل المسئولية والميل للتكاسل وزيادة النزعات الاستهلاكية غير الضرورية.
كما أن على وسائل الإعلام المختلفة أن تتحلى في عملها بمدونات السلوك التي توصل إليها العقل البشري في البلدان المتقدمة، من ضرورة وجود المصداقية والموضوعية وان يجعل من مصالح الشعوب والأوطان هدفا ساميا من خلال رفع شأن القيم الايجابية، وعدم اللعب على دغدغة المشاعر العاطفية والبعد عن إزكاء النزعة الطائفية والعرقية والمذهبية وغيرها من عوامل فرقة الشعوب.
ونظرا لما تشهده معظم وسائل الإعلام العربية من حالة من التخبط والتعبوية والتحريض ونشر قيم في غير صالح الشعوب ولا الأوطان، بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مدير عام المجلس الوطني للإعلام إبراهيم العابد بطرح محور فكري في مؤتمر وزراء الإعلام العرب الذي عقد مؤخرا في جامعة الدول العربية.
حيث انطوى هذا المقترح الفكري على ضرورة نشر ثقافة وقيم التسامح والعمل على مكافحة التطرف، وذلك في إطار استراتيجية إعلامية شاملة تتضمن توظيفا جيدا لوسائل الإعلام التقليدية والحديثة لبناء رأي عام مساند ومؤمن بقيم التسامح وعلى كافة المستويات.
وان هذا يتطلب ضرورة إيجاد خطاب إعلامي معتدل يتسم بالوسطية خاصة في الخطاب الديني، ودعت الإمارات إلى إطلاق قنوات ومؤسسات صحافية والكترونية تعمل على نشر وبناء ثقافة قيم التسامح والتعايش السلمي ومكافحة التشدد والفكر الإرهابي.
وان دولة الإمارات العربية وهي تدعو إلى ضرورة تبني قيم التسامح، فهي تدعو إلى تطبيق القيم انطلاقا من نموذجها العملي الذي يتجسد على أراضيها بالفعل حيث يتعايش نحو ثمانية ملايين نسمة من نحو 250 جنسية وعرقية ومذهبية مختلفة تتوافر لهم سبل العيش والعبادة وفق عقيدة كل منهم دون تمييز من أي نوع، وذلك في ظل قيادة حكيمة ورشيدة ترعى وتدعم هذه القيم.
كما دعت الإمارات إلى إطلاق برامج تأهيل وتدريب للعاملين في مجال الإعلام وعلى نحو مستمر، حتى يكون العاملون في هذا المجال متسلحين بالكفاءة اللازمة للدفاع عن وسطية الإسلام وقيمه السمحاء، وان يتوازى هذا مع وضع رؤية جديدة للمناهج التعليمية والمقررات الدراسية في الكليات والمعاهد المتخصصة تدعم قيم التسامح وتنبذ التطرف والإرهاب، مع ضرورة إنشاء مراصد إعلامية لمتابعة التغطيات الإعلامية العربية والغربية والتي تدعم الفكر المتطرف.
إن العالم العربي يواجه تحديات تهدد وجود مؤسسات الدولة الوطنية وتعصف بالهوية العربية، وتطيح بأسس المواطنة من خلال تزكية الطائفية والعرقية والمذهبية تارة باسم الخلافة وتارة أخرى باسم ولاية الفقيه وكلاهما وجهان لعملة واحدة، وان على وسائل الإعلام أن تدرك ما عليها من مسؤوليات تجاه أوطانها وشعوبها وعالمها العربي، وان تراعي خصوصية الشعوب وعاداتها وتقاليدها، وان الاختلاف في الفروع يعد إثراء وليس مجالا للصراع.
إن الإعلام عليه مسؤوليات تجاه دفع عجلة النمو والتنمية المستدامة، حيث لا يمكن لمجتمع يتصارع فيما بينه على أسس طائفية أو عرقية أو مذهبية أو اجتماعية أو من خلال مقارنة غير محمودة لعادات وتقاليد، أو من خلال التدخل في شؤون الآخرين أن يحقق تقدما أو أن يرقى لإحراز غاياته.
وان الإعلام في عالمنا العربي لابد وان يحكمه الضمير المهني، وان يضع الأمن القومي العربي نصب عينيه، وان يترفع عن ما يزيد هوة الفرقة، وان يبحث عن نقاط التجمع والتلاقي وهي كثيرة، وان ينظر بعين التفاؤل للأمور من غير غض الطرف عن ما يراه من سلبيات لكن دون ضجيج أو تضخيم.
ولكن هذا قد يحتاج إلى مساندة من الدول والحكومات العربية، فلم تعد وسائل الإعلام تعمل دون مساندة مالية ضخمة ودون تحقيق أهداف معينة من وراء ضخ هذه الأموال، ولذلك وجب على الحكومات التأكد من نوايا وأعمال أصحاب الأموال الذين يطلقون الفضائيات للتأثير على الناس، وان الأمر قد لا يقف عند مساندة أشخاص بل في أحيان كثيرة تكون مدعومة بحكومات لزرع الفرقة بين أرجاء العالم العربي، ومن ثم وجب التيقظ والاهتمام وسرعة الاستجابة من خلال استراتيجيات عمل متكاملة.