التعليم الذي نريد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في سعيها نحو تحقيق الريادة دائماً، والوصول لاستحقاقاتها العالمية، تنطلق دولة الإمارات العربية المتحدة من ركيزة رئيسة، في نهضتها وتقدمها وتفوقها، وهي الإنسان، ومن أجل ذلك أولت الدولة منذ أن وضع لبنتها الأولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الإنسان جل اهتمامها، وحددت لبناء الإنسان وإعداده الأسس والقواعد اللازمة، وفي مقدمتها جاء التعليم بمفهومه الشامل والمتكامل، الذي ينبغي أن يكون أداة الدولة في تحقيق الاستثمار الأفضل لمواردها البشرية، وأن يكون مسارها الرئيس لمجتمع المعرفة، وبالتالي كان للتعليم ـ وحتى يقوم بدوره المنوط به ـ أن يرتكز على آخر ما جاد به العالم من علوم حديثة وتكنولوجيا عصرية، على أن تتحدد أهدافه وتوثق بتوجهات الدولة واستحقاقاتها في الريادة.

هذا هو التعليم، الذي ينبغي أن تتصل مساراته ليس بما تمضي فيه دولة الإمارات وتحققه من إنجازات في شتى المجالات فقط، وإنما بمستقبلها، وتطلعاتها في غد أفضل، وفي مراكز أولى هي هدفها وهي لها، هذا هو التعليم الذي يجب أن تفوق حصيلته ونتائجه سقف التوقعات، حتى يمضي بأهدافه إلى حيث وجه وأمر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

من الاهتمام البالغ بالتعليم ومسيرته ومخرجاته، وقبل أن يتحدث العالم بمؤسساته التربوية ونخبة الخبراء فيه والمسؤولين عن قضية (التعليم من أجل الاستدامة)، في المؤتمر العالمي، الذي عقد في ناغويا (اليابان)، منتصف نوفمبر الماضي، وقبل أن يتحدث العالم عن أهداف التعليم ما بعد 2015 في المنتدى التربوي العالمي، الذي عقد مؤخراً في كوريا الجنوبية، وكذلك المؤتمر الدولي الذي دار حول تكنولوجيا المعلومات ودورها في التعليم، في الصين.. قبل كل ذلك، كانت دولة الإمارات قد حددت أهدافها المستقبلية الرامية إلى الوصول لنظام تعليمي من الطراز الأول، وكانت قد أقرت في خطة تطوير التعليم (2015/ 2021)، ركائز الاستدامة وما يتصل بها من أطر وممارسات التحول النوعي المطلوب في التعليم، والقائمة في منهجية الخطة، على الابتكار والإبداع وإكساب الطالب مهارات القرن الـ21، وأدوات التنمية الذاتية (علمياً ومعرفياً)، وربط محصلة الطالب بالعلوم المتخصصة، وبناء شخصيته وفق منظومة القيم التي يتميز بها مجتمع الإمارات.

هذا بالتحديد هو ما يلبي تطلعات الدولة في نظام تعليمي من الطراز الأول.. نظام تعليمي يعتمد التطوير المستمر، ويرتكز في مضمونه ومساراته على مفاهيم الاستدامة ومقتضيات التنافسية، وهو مستوى التعليم نفسه الذي نريد والذي نعمل عليه الآن ليكون هو الرافد الرئيس للتنمية طوال السنوات الـ 50 المقبلة، ولذلك متطلبات، ومسؤوليات تتحملها المؤسسة التربوية والمؤسسات العلمية والتعليمية وقطاع الأعمال وجميع الأطراف المعنية بالشأن التربوي والتعليمي والتنمية، والخبرات الوطنية المخلصة التي نثق في قدراتها، ونسعد لتفانيها في العمل معاً، ونقدر جهودها لتعزيز توجهاتنا.

أمام الطفرات المتلاحقة التي تشهدها الدولة في شتى المجالات، وحالة التنافسية المتصاعدة على ساحة التعليم الدولية، وما خلصت إليه المؤتمرات التعليمية العالمية في (اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين) من توجهات حتى عام 2030، لم يعد هناك أي خيار، سوى تحقيق الريادة في التعليم، لم تعد هناك أية مسارات أخرى غير تلك التي تؤدي بنا في النهاية إلى عقول إماراتية واثقة في قدراتها، لديها من الإمكانيات والمهارات والعلوم والمعارف، ما يساعدها في الحفاظ على مكتسباتنا ومقدراتنا، ومواصلة ما حققته الدولة من إنجازات، ومواكبة المستقبل ومحاكاة متغيراته ومستجداته.. عقول إماراتية تكون في طليعة المؤثرين، في خريطة هذا العالم وتحولاته وفي تاريخ تقدمه (فكرياً وعلمياً ومعرفياً وتقنياً).

من هنا أصبح معلوماً لدى القائمين على التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم، من هو الطالب الذي نريد؟ أو بمعنى آخر: ما هي الثمرة التي تنتظرها الدولة من قطاع التعليم العريض بقوته البشرية والخبرات التربوية التي يزخر بها، والإمكانيات الهائلة المتوفرة، أصبح معلوماً كذلك سمات الطالب ومستوى المهارات التي ينبغي أن يكتسبها، ودرجة تأهيله وإعداده، وضرورة اكتشاف الموهوبين والنابغين في وقت مبكر ورعايتهم، وعليه تحددت المسؤوليات والمهام والأدوار، المتكاملة بعيداً عن التداخل، والمتوافقة بعيداً عن تنازع الصلاحيات، كما ارتبطت جميع الممارسات التربوية في خطتنا بالنتائج والأهداف، والمؤشرات العلمية الدقيقة التي تحدد معدلات الإنجاز، وإسهامات كل مسؤول في مختلف المستويات الوظيفية، وجهوده المبذولة في سبيل تحقيق الأهداف.

التعليم الذي نريد أو الطالب الذي نريد؟ .. يظل هو عنوان المهمة الوطنية التي علينا أن نَهب لها كل الطاقات والقدرات، وأن نتفانى من أجلها، فلم يعد مقبولاً ولن يكون مقبولاً أبداً، ودولتنا تسابق الزمن، وعقارب دورته السريعة، ومستجداته بإنجازات عالمية لافتة، بينما التعليم بنظامه ومخرجاته يلاحق الركب، وهذا ما يجعلنا نؤكد أهمية المنطلقات الرئيسة لخطة تطوير التعليم، التي تشتمل على بناء قدرات المعلمين والإداريين وتنميتها وتوثيقها بأفضل الممارسات التربوية وأساليب التعليم الحديثة ووسائله التقنية، وتحقيق الاستثمار الأفضل لخبرات وكفاءات مواردنا البشرية، ومن ثم إكساب الطلبة والشباب بوجه عام مهارات القرن الـ 21، وتمكينهم من المساهمة في دعم مجتمع اقتصاد المعرفة، والمشاركة في تحقيق التنافسية العالمية لدولتنا في شتى المجالات.

هدفنا هو أن نكون في مقدمة الركب.. في الطليعة، بنظام تعليمي رفيع المستوى، مبني على الابتكار والإبداع والروح الخلاقة.. تعليم نتولى فيه نحن (قيادة تربوية وجميع المسؤولين من الإداريين والمعلمين)، وبجانبنا أولياء الأمور، ومؤسسات المجتمع وأفراده ووسائل إعلامه، زمام المبادرة، في تشكيل نواة لعلماء الدولة ونخبتها المتخصصة في العلوم الحديثة (الطب والهندسة والفضاء وتكنولوجيا المعلومات)، وغيرها من العلوم المعاصرة والمستقبلية، بجانب المفكرين ورواد الأعمال والمتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

نحن نقدر جميع الجهود، ونقدر عطاء شركاء الوزارة الاستراتيجيين، ونشكر كل مبادر، وكل من يستشعر دوره بمسؤولية .. نحن ننتظر من مؤسسات المجتمع وأفراده والشخصيات النافذة فيه، الاصطفاف حول مهمتنا الوطنية، ونأمل الكثير من أولياء الأمور على وجه التحديد، خلال المرحلة المقبلة، ونتطلع لتفاعلهم مع المدرسة، كما ننتظر من المدرسة ونخبة العاملين في الميدان التربوي أن يبادروا بأفكار مبدعة تمكن أولياء الأمور من المشاركة في العملية التعليمية، وتوثق علاقة المدرسة بالمجتمع المحلي ومؤسساته المحيطة، فالهدف واحد، هو أبناء الدولة، والجهد واحد من أجل أبناء الدولة.

 

Email