مجلس التعاون والامتحان الصعب في كامب ديفيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصل قادة مجلس التعاون إلى واشنطن، وهم يحملون، ولأول مرة، هواجس وقلق وتمنيات، مصدرها وسببها حليفهم التاريخي في هذه الفترة الحساسة التي يمر بها تاريخ دول مجلس التعاون، وما تتعرض له من حالة غير مسبوقة من التهديدات المباشرة لأمنها واستقلالها وسيادتها من كل الجهات. هي قمة غير مسبوقة كذلك في تاريخ العلاقات التاريخية التي تجمع دول مجلس التعاون بالولايات المتحدة الأميركية.

إلا أن انعقادها يأتي في ظل غياب عدد من قادة دول المجلس لأسباب مختلفة، لعل أبرزها ما تناقلته وسائل الإعلام الأميركية عن جون ألترمان مدير برامج الشرق الأوسط في مركز الاستراتيجيات والدراسات الدولية، من: «أن اعتذار الملك سلمان بن عبد العزيز عن حضور قمة كامب ديفيد، يعني المزيد من التحدي لسياسات البيت الأبيض، الذي فشل في قراءة مواقف حلفائه على الوجه الصحيح».

إن اعتذار الملك سلمان عن حضور القمة، يؤكد القلق وعدم الاطمئنان الخليجي من المواقف الأميركية تجاه قضايا المنطقة، وخاصة إيران، وهذا الموقف ليس معزولاً عن موقف الكونغرس ذي الأغلبية من الجمهوريين، الذي أصدر قراراً يجبر الرئيس أوباما على مراجعة الكونغرس قبل توقيع الاتفاق النووي، واضعاً في اعتباره الأضرار التي قد تصيب حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين في المنطقة، وتطلع أوباما لإنهاء فترة ولايته الرئاسية في إنجاز تاريخي، بإبرام الاتفاق النووي مع إيران، الذي سيعزز حظوظ حزبه من الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر عام 2016.

إلا أن التطورات في منطقة الخليج العربي بعد ثلاثين عاماً من العبث والتمدد والغرور الإيراني الذي وصل إلى اليمن في تهديد مباشر للسعودية وبقية دول المجلس، يؤكد حقيقة واحدة هو عدم فهم الإدارة الأميركية لمجريات الأحداث الخطيرة في المنطقة، وتجاهل هذه الإدارة لأصدقائها التاريخيين.

وأوجز أدناه للقارئ، بعض الأسباب التي أراها وراء انخفاض التمثيل الخليجي في قمة كامب ديفيد: أولاً: التوقّع بأن نتائج القمة الخليجية الأميركية لن تكون على مستوى الطموحات والتطلّعات الخليجية، خاصة أنها تأتي في إطار التطمينات التي يرغب الرئيس أوباما في تقديمها لدول المجلس، إلى جانب خشيتهم من الثمن الباهظ الذي ستقدمه الولايات المتحدة لإيران للتوقيع على الاتفاق النووي، والدور الإقليمي الذي تريد إيران أن تلعبه في المنطقة.

ثانياً: شعور دول المجلس أن الاتفاق النووي قد تم ترتيبه لحماية أمن إسرائيل أولاً، وتعزيز دفاعاتها وقوتها العسكرية، واستمرار تفوقها على إيران ودول منطقة الشرق الأوسط. ثالثاً: عدم حدوث تقدم في تضييق الخلافات بين الجانبين الخليجي والأميركي في القضايا المصيرية المتعلقة بإيران، والموقف من سوريا، خاصة مع إصرار الجانب الأميركي على عدم ربط الاتفاق النووي مع القضايا الإقليمية بالمنطقة.

إن القراءة الأولى والمتابعة لتصريحات جون كيري الأخيرة في باريس، لدى اجتماعه بنظرائه وزراء خارجية دول مجلس التعاون، توضح أن الرئيس أوباما، يرغب في كسب دعم دول المجلس للاتفاق النووي، وطمأنتها بأنها ستقف مع حلفائها الخليجيين ضد إيران، والحقيقة أن دول المجلس ليست بحاجة لهذا الاطمئنان، بقدر رغبتهم في معرفة التنازلات والثمن الذي ستقدمه الإدارة الأميركية لإيران.

ولذلك، فإن أمام الوفد الخليجي الذي يقوده الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، مهمة كبيرة، ستحدّد نتائجها مصير وشكل المنطقة للأجيال القادمة، نظراً لكون منطقة الخليج جزءاً من النظام العالمي المتمثل في الأمم المتحدة ومبادئها، التي شهدت في الثلاثين عاماً الماضية، أي منذ قيام ثورة الخوميني 1979، انتهاكات خطيرة، وبخاصة ما يتعلق منها بالتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية، واستخدام القوة لفض المنازعات لتحقيق المصالح الإقليمية، كما هو جارٍ حتى الآن في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ولذلك، فإن على الوفد الخليجي الالتزام بالموقف الجماعي الموحّد، الذي يقوم على أساس الالتزام السياسي الأميركي تجاه دول المجلس، الذي يضمن سياسة إيرانية تحترم جيرانها، وتوقف تدخّلها وتمدّدها الخارجي.

Email