الفضائيات وآفاق جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفتح الفضائيات أمام المشاهد العربي عوالم جديدة وتتيح أمامه فرصاً عديدة للاطلاع على حضارات الأمم الأخرى، كما تتيح المجال للبرامج الأجنبية للتأثير على جمهورها العربي، مما جعل البعض يعتبر أن الفضائيات تحمل معها مظاهر للغزو الثقافي الأجنبي، ومما يجعل فكرة الغزو موضع تفحص من قبل البعض، إذ إن المحطات الفضائية العربية والتلفزيونات بشكل عام تبث نسبة كبيرة من البرامج والمسلسلات والأفلام، والأخبار والتقارير ذات المصادر الغربية وبخاصة الأميركية، وبعضها بالكاد يبث برامج محلية أو منتجة عربياً.

وإذا كنا ندرك بأن ساعات البث الطويلة لدى التلفزيونات الأرضية والفضائية، لا يمكن تغطيتها بإنتاج محلي أو عربي، فقد بات من المحتّم ملء ساعات البث الطويلة بتلك البرامج المستوردة، والتي تمتلك قدرة متفوقة على منافسة الإنتاج المحلي من حيث إمكاناتها الفنية التي أنتجتها تقنية عالية، وكذلك من حيث أسعارها التي تنافس البرامج المحلية، إذ إنها غالباً ما تقدم بأسعار رمزية إلى السوق العربية.

ولا غرو إذن أن نتحدث عن تهديدات أساسية للثقافات المحلية والعربية، ولكن هذا وجه من عدة وجوه، فالفضائيات كما تحمل معها سلبياتها فإنها تحمل إيجابياتها، ومن ثم فإنه يمكننا النظر إلى أن بعض البرامج الأجنبية من جانب تفتح آفاقاً من المعرفة لعوالم جديدة كل الجِدّة بالنسبة للمشاهد العربي مثل ذلك الذي تقدمه قناة ناشيونال جيوغرافيك التي أصبحت تبث برامجها المعربة من أبوظبي، والبرامج الوثائقية المعربة الأجنبية مثل وثائقيات البي بي سي التي تبثها الفضائيات العربية وبعض البرامج الوثائقية التي تنتجها بعض الفضائيات العربية مثل الجزيرة والعربية فمثل هذه البرامج توسع مداركه وآفاقه في اطلاعه على حضارات الشعوب الأخرى والإنجازات الحضارية والتكنولوجية المعاصرة.

ولكن في جانب آخر هناك البرامج الدرامية من مسلسلات وأفلام باتت مصادرها متنوعة لتشمل القارات جميعها فنحن بتنا نشاهد الأعمال الدرامية المعربة التركية والهندية والمكسيكية والكورية والصينية ناهيك عن الأميركية والفرنسية والبريطانية.

وينضاف إلى هذا كله البرامج التي تم نقل صيغها عن البرامج الأجنبية مثل برامج المسابقات وبرامج المواهب وبرامج تلفزيون الواقع. وجميع برامج الترفيه ذات المصادر الأجنبية هي النسبة الغالبة التي تطغى على ما تبثه القنوات الفضائية العربية والتي يدخل ضمنها المسلسلات والأفلام والأغاني وبرامج المسابقات والرياضة تحمل معها قيماً غريبة وبرامجها الدرامية مشحونة بالجريمة والعنف والجنس والسلوك غير المقبول اجتماعياً لدى العرب، وهي مع هذا تسهم في زيادة التوقعات وما يتلوها من إحباطات لدى المشاهد.

ولكننا ندرك أننا في عالم لا يمكن فيه أن نغلق النوافذ، فالفضائيات العربية سهّلت التواصل والحوار بين أبناء الأمة العربية، وهي كغيرها ستقود إلى تعزيز الهويّات القومية على مستوى عالمي.

ونحن في عالم تتداخل فيه المصالح المتبادلة، ويكون التفاعل المتبادل بين حضارات الشعوب أمرا حتميا، ومن هنا فإن إدراكنا لوجود بعض السلبيات في التلفزيون، واستقبال الفضائيات الوافدة بلا شك سيشكل تهديدا للثقافة القومية، ولكنه لا يعني تحطيم خصوصية الثقافة القومية، لأن لكل أمة آلياتها الفاعلة للدفاع عن ذاتيتها الثقافية، وأي تأثير وتأثر هما نتيجة حتمية لما يمكن أن نتوقعه حصيلة لتطور المجتمعات وتفاعلها في ظل عالم مشبك اتصالياً، وتكون مسؤولية الفضائيات العربية العمل على تعزيز الهوية العربية من خلال التركيز على تقديم برامج هادفة ذات خصوصية مع إدراك أهمية الحوار بين الثقافات والشعوب وحضارات الأمم كي نعيش في عالم أكثر أمنا ويسوده الوئام بين شعوب الكرة الأرضية.

Email