لو رآهم زايد اليوم لدمعت عيناه

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت الصورة رائعة بكل المقاييس. فبمعيار الرؤية البصرية، كان الفرح واضحاً على كل الوجوه، وبمقياس الرؤية المستقبلية، كان الإشراق طاغياً على المشهد، وبمقياس الرؤية الاقتصادية، كان الاستثمار هو عنوان المشهد، ولكنه استثمار في الإنسان، أغلى وأهم وأكبر ثروة لأي أمة تتطلع للمحافظة على كيانها، والانطلاق نحو المستقبل بخطى واثقة غير مرتبكة.

كان هذا هو الشعور الذي عشناه بكل ذرة من كياننا يوم الأربعاء الماضي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يعلن عن الاسم الذي تم اختياره لمسبار المريخ، أول مشروع عربي إسلامي للوصول إلى الكوكب الأحمر، ويؤكد أن المشروع يبعث ثلاث رسائل؛ الأولى للعالم بأننا أهل حضارة، وكما كان لنا دور سابق في المعرفة الإنسانية، سيكون لنا دور لاحق أيضاً، والثانية لإخواننا العرب بأنه لا يوجد مستحيل، وبإمكاننا منافسة بقية الأمم العظمى ومزاحمتها في السباق المعرفي، والثالثة لشبابنا بأن من يعشق القمم يصل لأبعد منها، يصل للفضاء، ولا سقف ولا سماء لطموحاتنا.

رسائل ثلاث، تحمل كل واحدة منها في طياتها تفاصيل كثيرة، لو أمعنا النظر فيها لخرجنا بدروس عديدة، تفتح لنا أبواب «الأمل» الذي حمل اسمه مسبار المريخ الإماراتي، وهو يرسل طاقة إيجابية لكل الشعوب العربية، حيث «لا مستقبل ولا إنجاز ولا حياة بدون الأمل» كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال حفل الكشف عن الأهداف العلمية للمشروع، والتفاصيل الزمنية له، والخصائص التقنية للمسبار الذي سترسله دولة الإمارات لكوكب المريخ في منتصف عام 2020، ونوعية الدراسات التي سيجريها المسبار الإماراتي على الكوكب الأحمر.

الصورة الرائعة التي شاهدناها يوم الأربعاء الماضي بمقياس الرؤية البصرية هي فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، حيث اصطف على خشبة المسرح 75 باحثاً وعالماً ومهندساً إماراتياً من الشباب والشابات الذين لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً، هم عدد العاملين في المشروع الآن، والذين سيصل عددهم 150 قبل انطلاق المسبار عام 2020.

هذه الصورة تكتسب روعتها من أننا بعد أربعة عقود ونصف تقريباً من قيام دولتنا، استطعنا أن نعد جيلاً من العلماء والباحثين والمهندسين المختصين في مجال من مجالات العلوم المتقدمة، لم تجرؤ على خوض غماره وكسر حاجز التحدي فيه دول سبقتنا في النشأة والتعليم والتطوير والتنمية من حيث البعد الزمني، في حين استطاعت دولتنا خلال فترة زمنية وجيزة، بفضل وضوح رؤية قادتها وقدرتهم على مواجهة التحديات، أن تعبر حاجز الزمن لتصل إلى مراكز متقدمة في كل المجالات، وكان مجال الفضاء واحداً من هذه المجالات التي لم تتملكها الرهبة وهي تقدم على خوض غماره، لتنافس دولاً عظمى سبقتها إلى هذا المجال، وتسجل اسمها بين دول تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة استطاعت الوصول إلى الكوكب الأحمر، لتسهم في خدمة البشرية وتطورها.

والصورة الرائعة التي شاهدناها يوم الأربعاء الماضي بمقياس الرؤية المستقبلية عميقة جداً، لأنها تتعامل مع الواقع الذي يعيشه المواطن العربي اليوم بكثير من الأمل والتفاؤل، لذلك كان اختيار اسم المسبار دقيقاً ومعبراً إلى أقصى درجات التعبير والدقة، فمن ينظر إلى واقع عالمنا العربي اليوم يتملكه اليأس، ويصاب بحالة من الإحباط والاكتئاب، يحتاج إلى ألف سنة للخروج منها، فما بالك بمن يفكر في الوصول إلى المريخ والأمة العربية في واحدة من أسوأ مراحل تاريخها وأصعبها؟!

لذلك كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حريصاً وهو يعلن اسم المسبار على ملامسة هذا الجانب حين قال إن «زايد كان يمثل الأمل لدولة الإمارات.. والإمارات اليوم تمثل الأمل للمنطقة.. وهذا المسبار يمثل الأمل لملايين الشباب بمستقبل أفضل.. والأمل عكس اليأس.. ونحن لا نريد لمنطقتنا أن يصيبها اليأس أبداً».

هذه الصورة الرائعة وسط الظلام الدامس الذي تعيشه الأمة العربية لا يمكن أن تصدر إلا عن قيادة ترى أبعد من الواقع، وتخطط للمستقبل دائماً، ولا تؤمن بالعجز واليأس أبداً، ومن شعب يرى في قيادته الأمل الذي تبحث عنه الشعوب العربية، ومن دولة تثبت يوماً بعد يوم أنها النموذج الأفضل والأروع.

والصورة الرائعة التي شاهدناها يوم الأربعاء الماضي بمقياس الرؤية الاقتصادية، هي النظرة المختلفة لحساب الأرباح والخسائر، وهي صورة بدت واضحة في كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين توسط فريق عمل المشروع الإماراتي الشاب، فقال إن أحدهم سأله عن تكاليف مشروع المسبار فأجابه بأن هذا المشروع استثمار، وأكد أنه استثمار استراتيجي في الإنسان، والاستثمار في الإنسان هو استثمار رابح.

هذا المنطق في حساب الأرباح والخسائر لا يمكن أن يصدر إلا عن قيادة واعية تعرف أهدافها جيداً، وعن رؤية واضحة وإيمان مطلق بالإنسان، وبأنه الثروة الحقيقية للوطن، وهي رؤية وضع قواعدها مؤسس هذه الدولة، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي آمن دائماً بأن الإنسان لا المال هو الثروة الحقيقية، وعلمنا أن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار في الإنسان.

حقاً لو رآهم زايد اليوم لدمعت عيناه، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهذا أفضل عنوان للصورة الرائعة التي رأيناها يوم الأربعاء الماضي، كما أنه عنوان يصلح لصور كثيرة في دولة الإمارات التي تقدم كل يوم أكثر من صورة رائعة وأكثر من عنوان معبر.

Email