رسالة لأوباما في «كامب ديفيد» أو خارجها

ت + ت - الحجم الطبيعي

السياسة الأميركية لم يخترعها أوباما كما يقال الآن، وإنما ربما يكون قد طورها، وهي سياسة راهنت دائماً على دور إيراني مساعد للسياسة الأميركية، كان يتم بكل علانية في عهد الشاه، ليصل الطرفان – في النهاية – إلى الوضع الذي تعيشه المنطقة العربية الآن، والذي بشرتنا به السياسة الأميركية، حيث تحدثت عن «الفوضى الخلاقة»، فكانت النتيجة تصدير الخراب وتدمير دول وإغراق المنطقة في مستنقع الحرب المذهبية والطائفية التي تصورت أميركا أنها طريقها لتنفيذ خريطتها الجديدة للمنطقة.

لا نعرف بالطبع ماذا سيقول الرئيس الأميركي لزعماء دول الخليج العربي حين يجتمع بهم في «كامب ديفيد»، ولكننا نأمل ونثق في أن الصوت العربي سيكون واضحاً في التعبير عن موقف واحد رافض لهذه الأوضاع، ومدرك لحجم المخاطر..

ومستعد للتعامل مع كل التحديات. صحيح أن واشنطن تحاول استباق الاجتماع بالحديث عن توفير منظومة مضادة للصواريخ لحماية الدول الخليجية وغير ذلك من الترتيبات العسكرية. ولكنها تعرف جيداً أن القضية أكبر من ذلك، وتعرف أن ما حدث في المنطقة هو مسؤوليتها أولاً وأخيراً، هي التي دمرت جيش العراق وأسقطت دولته وسلمته لنفوذ طهران..

وهي التي تركت الأوضاع في سوريا تصل لهذا الدرك السحيق لتضيع الدولة بين جرائم داعش وتواطؤ الأتراك وسكوت واشنطن، وهي التي تحركت مع حلف «الناتو» لتجعل ليبيا قاعدة للإرهابيين، وهي التي حاولت أن تكرر الأمر نفسه في مصر بدعم الإخوان، لولا معجزة شعب مصر وجيشها في 30 يونيو، التي أنقذت المحروسة من هذا المصير.

والآن.. تخطو أميركا إلى مصالحتها مع طهران، بينما نائب وزير الخارجية الإيراني يطلق تصريحات التصعيد في المنطقة بدعوى «الحفاظ على المصالح الأمنية بين إيران واليمن، وبزعم عدم السماح لأي تدخل إقليمي بالعبث بهذه المصالح!!».

من جانبنا لا نعرف شيئاً عن هذه المصالح الأمنية التي «اكتشفتها» طهران الآن مع هذا الجزء العزيز من الوطن العربي، يعرف فقط أطماعاً مهووسة من جانب أطراف في السلطة الإيرانية تريد تطويق الخليج العربي من الجنوب في اليمن، ومن الشمال في العراق، ونعرف أن هناك من يتصور أن العبث بالأمن في مضيق هرمز أو مضيق باب المندب يخدم مصالحه.

وقد كنت أتمنى ألا يكون لقاء الرئيس الأميركي المزمع عقده مع زعماء الخليج العربي مقتصراً عليهم فقط، بل أن يضم كل القوى العربية المؤثرة، فالقضية المتعلقة بإيران ليست قضية خليجية فحسب..

ولكنها قضية عربية بامتياز، ما ينبغي أن يكون واضحاً للرئيس الأميركي أن أمن الخليج العربي لن يكون أبداً منفصلاً عن أمن الوطن العربي كله، بدليل موقف مصر المبدئي، وبدليل أن الخطر على الخليج يرتبط بما يجري في سيناء، ولا يمكن أن ينفصل عما يجري في العراق والشام، فضلاً عن تداعيات القضية الفلسطينية التي لن تنسى رغم كل ما يحدث وما سيحدث في الوطن العربي.

وما ينبغي أن يكون واضحاً للرئيس الأميركي (من خلال خطاب عربي واضح وحاسم) في كامب ديفيد، هو أن العرب قد فاض بهم الكيل من انحياز أميركا لسياسات معادية لهم، وأنهم لن يتقبلوا بنظرية «الفراغ» التي تتيح لكل قوة طامعة من داخل أو خارج الإقليم أن تتدخل في الشؤون العربية وتطمع في توسيع نفوذها على حساب العرب.

وما ينبغي أن يكون واضحاً أيضاً للرئيس الأميركي هو أن العرب بمختلف تكوناتهم من سنة وشيعة، ومسلمين ومسيحيين، لن يسمحوا باستمرار التلاعب معهم.. مرة بتشجيع إخوان الإرهاب ودواعشه، ومرة بالصفقات المشبوهة مع إيران.

لكن الأهم سيبقى خارج غرف المفاوضات.. بأن يترجم العرب ما يقولون إلى فعل، وأن يتحول التحالف العربي بين مصر والإمارات والسعودية وباقي دول الخليج العربي إلى قوة ردع حقيقية تنطلق من إنقاذ اليمن إلى فرض وجودها في الوطن العربي كله كقوة حماية للأمن العربي ضد الإرهاب سواء ارتدى زوراً رداء السنة أو الشيعة..

وضد التدخل الخارجي من قوى إقليمية تعيش على أوهام التوسع وامتداد النفوذ وإحياء امبراطوريات دفنت إلى الأبد، غير مدركة أنها تدخل باباً سيؤدي بها نفسها إلى التشرذم الذي لم تمنعه صفقات مشبوهة مع واشنطن أو غيرها.

 

Email