تاريخ ورمز

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتساءل المؤرخ الكبير الدكتور فالح حنظل هل يا ترى يدرك الجيل الجديد من الإماراتيين عمق تاريخ وطنهم؟ هل يدركون بأن جلفار ودبا قد ظهرتا على صفحات التاريخ قبل بغداد؟ هل يشعرون بالفخر تجاه هذا التاريخ؟ تساؤله هذا يثير الكثير من الشجون. فلعدة أسباب تظل المعرفة بتاريخ وطننا وبتراث الآباء والأجداد بين الجيل الجديد ضئيلة إن لم نقل معدومة. وتظل القيم المرتبطة بذلك التاريخ والتراث..

والتي نريد إيصالها للأجيال الجديدة عبر الدروس والعبر التاريخية مفرغة ليس من محتواها المادي بل من محتواها المعنوي. ونظل ندور في الحلقة المفرغة نفسها، نحن نريد لأبنائنا أن يعرفوا تاريخ الأجداد وأن ينشؤوا على تراث الآباء لأن فيه الكثير من الارتباط بالوطن..

ولكننا نحمل في دواخلنا الكثير من التخوف من ذلك التاريخ ونظل نخشى تقديمه كما ورد خوفا من أن تثير أحداثه الحساسية وتنكأ الجروح وتثير النزعات الأمر الذي يخلق قضايا معقدة أخرى. والنتيجة واضحة وهي تدني المعرفة أو الوعي التاريخي بين أبناء الجيل الجديد.

أسباب تدني الوعي التاريخي كثيرة ومتشعبة. فالسبب الأول يكمن في أن جزءا كبيرا من تاريخنا مغيب في بطون الكتب وإن قدّم للدارس قدم مبتورا خوفا من الحساسية المفرطة التي تحمله بعضا من وقائعه. فتاريخنا القديم يعد حديثا بحداثة مجتمعنا..

وبالتالي ما حدث فيه لا يزال يتذكره الكثيرون. وعلى الرغم من معرفتنا بأن كل حدث له أطاره الزمني وأبعاده الاجتماعية وسياقه التاريخي الذي لا يؤثر البتة على مفهومنا الحالي في تفسير الأحداث إلا إن هذا التخوف يظل يشدنا ويكبلنا وكأن الحدث قد وقع بالأمس القريب.

هذا التخوف يرمي بظلاله أيضاً على كتابتنا للتاريخ والتي تأتي في الكثير من الأحيان إما مبتورة ومشوهة وإما خالية من التحليل والنقد اللازمين لتنمية الحس الاجتماعي وبالتالي استجلاب القيم الإيجابية التي من شأنها بث الفخر في ذلك التاريخ.

السبب الثاني لتدني المعرفة التاريخية مرتبط بالتهميش الذي طال ليس فقط الدراسات الاجتماعية والتاريخية بل العلوم الإنسانية بشكل عام وذلك لصالح العلوم التطبيقية. فمنذ أن ارتبطت عملية تنقيح المناهج بسوق العمل طال التهميش أول ما طال كتب التاريخ على الرغم من أهمية هذا الفرع من العلوم لتوسيع مدارك الدارس وإنضاج ملكة التحليل والنقد لديه وإرواء ظمئه للمعرفة العلمية عامة.

فعلى الرغم من أهمية العلوم التطبيقية إلا إنها لا تشجع الدارس على الخوض في مسائل الفكر أو إشغال العقل وبلورة الأحاسيس والمشاعر الاجتماعية والوطنية. هذا الإهمال الذي طال العلوم الإنسانية كافة وتلك النظرة الدونية لتلك الفروع من المعرفة أثرا على التكوين المعرفي للدارسين الأمر الذي انعكس على المحصلة النهائية لمعرفتهم التاريخية وبالتالي على الهوية الوطنية والثقافية للفرد.

وهذه الأمور انعكست جميعها على قضايا مهمة منها قضية الفخر بالوطن وتاريخه. أما السبب الثالث لتدني الوعي التاريخي فهو يتعلق بالنظرة الدونية التي عادة ما ترتبط بدراسة التاريخ. فعلم التاريخ وعلى الرغم من أهميته إلا إنه لا يزال ينظر إليه على انه علم "الأموات" وعلم "الماضي" عوضا عن أن يكون علما مهما لاستقراء "المستقبل" واستنباط العبر منه لفهم المقبل من الأحداث.

زايد كان عظيما في حياته وحكيما في أقواله، فهو صاحب مقولة " من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل". أدرك حكيم العرب أهمية الماضي وارتباطه الوثيق بالمستقبل، وفتح أبواباً كثيرة ليس فقط لدراسته علمياً وأكاديمياً..

ولكن أيضا لفهم تأثيراته على مستقبل الأجيال القادمة. إن أمامنا طريقين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في ذلك الإقصاء وبالتالي تحمل نتائجه وإما المراجعة الجيدة لمناهج العلوم الاجتماعية وبالتالي إعطاء مساحة جيدة للتاريخ وخاصة الوطني لكي يحتل المكانة التي يستحقها وبالتالي تحصين أجيالنا الجديدة فكريا واجتماعيا وعقديا وثقافيا.

Email