اللغة العربية والحصانة

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتفلت دبي بلغتنا العربية، وذلك في المؤتمر الدولي الرابع للغة العربية، الذي شارك فيه أكثر من ثمانمئة باحث ومتحدث من أربع وسبعين دولة، وقد تتوج هذا المؤتمر بتسليم جائزة محمد بن راشد للغة العربية، ليؤكد هذا على مدى الاهتمام والرعاية الرسمية والشخصية، التي يوليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للغة العربية وصيانتها باعتبارها حصانة هويتنا العربية.

ذلك أن اللغة كائن حي يتفاعل ينمو أو يضمر، والخشية على اللغة العربية تزداد اليوم أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ظل الاتصال المعولم، وتشبيك الناس عبر الفضائيات والإنترنت والهواتف الجوالة، وفي ظل توجه بعض الاتجاهات، التي تهيمن على التعليم الجامعي والتعليم نحو جعل اللغة الانجليزية في صدارة حياتنا اليومية، ما يتيح المجال لانتشار اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية.

لا يكفي أن نستند إلى مقولة إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ما سيكون كافياً لحمايتها، وبناء عليه نعتمد على أن هذه العلاقة المقدسة بين لغتنا والقرآن كفيلة بحماية اللغة العربية وصيانتها، إذ لا يمكننا الركون لذلك، فالتجربة التي مرت بها اللغة العربية في عصور الانحطاط ترينا إلى أي مدى يمكن أن تتدهور اللغة واستعمالاتها إذا لم تجد من يستخدمها بطريقة صحيحة، وإذا لم تجد من يدافع عنها ويسهم في جعلها لغة حية تتفاعل مع المستجدات العلمية والتكنولوجية.

ولذا نجد أن اللغة العربية باستخداماتها في حياتنا اليومية تواجه بالفعل تحديات كبيرة وواقعية تهدد الهوية العربية.

ولعل من المشكلات الحالية، التي تواجه الهوية في حياتنا المعاصرة هي دعوة البعض إلى تهميش دور اللغة العربية في البحث العلمي والحياة الاقتصادية، ما يجعلها يوماً إثر يوم تنسحب من ساحة العلم والمعرفة، وتبتعد من حقل الاقتصاد والتعامل التجاري.

ومن التحديات التي تواجه اللغة أن هناك دعوات كثيرة للحد من دور العربية في العملية التعليمية في كثير من الجامعات العربية واعتماد الإنجليزية بديلاً لها.

ولم يستفد هؤلاء المنافحون عن استخدام اللغة الأجنبية من تجارب الشعوب الأخرى، التي تقدمت في مجالات الاختراع والتصنيع والاقتصاد والبحث العلمي، وفي الوقت نفسه عززت لغتها في التعليم في مدارسها وجامعاتها.

والأمثلة كثيرة بدءاً من اليابان والصين وانتهاء بكوريا وإسرائيل.

يبدو أنه قد غاب عن أذهان هؤلاء الدعاة أن اللغة ليست مجرد وسيلة فقط، فاللغة بها ينبني الوجدان العقلي والمعرفي والنفسي، وهي أداة الإبداع والابتكار العلمي، وكلما اعتمد الشخص في تعليمه على لغته الأم أبدع أكثر. ولا مندوحة من القول «إن تعلم اللغات الأجنبية الأخرى واستخدامها أمر ضروري، لكن يجب ألا يكون على حساب اللغة القومية».

ولا يفوتنا التنويه إلى ما تلاقيه اللغة العربية من التحديات من جانب بعض الفضائيات العربية، التي تستخدم اللهجات المحلية في الأخبار والبرامج الثقافية، وفي دبلجة الأفلام والمسلسلات الأجنبية، ناهيك عن شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الجوالة التي تستخدم لغة هجينة تختلط بها اللغة العربية بالإنجليزية وتكتب الرسائل العربية بأحرف إنجليزية.

وتواجه لغة الأمة اليوم تحديات من اللغات الفرعية مثل الأمازيغية في الجزائر والكردية في العراق وسوريا، ولا تشكل هذه اللغات خطورة على اللغة العربية كما تفعل اللغة الإنجليزية، فقد تعايشت هذه اللغات الفرعية مع اللغة العربية طيلة قرون، وظل الناطقون بها يستخدمونها إلى جانب اللغة العربية.

لهذا أرى أن اللغات الفرعية لا تشكل خطراً على اللغة العربية، فعلى امتداد التاريخ هناك ثقافات الأصل، وثقافات الفرع، وهي تتفاعل وتمنح نفسها الفرصة للحياة من خلال ما يمكن أن أسميه التسامح في ظل عوامل ثقافية وتاريخية باستناد اللغات الفرعية في ثقافتها على ثقافة الأصل الثقافة العربية الإسلامية، وفي ظل ظروف جيوسياسية لم تسمح لهذه الكيانات أن تجسد كيانات سياسية.

Email