توحيد القوات المسلحة: فخرٌ لدولة الاتحاد وعزّ لشعبها

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يأتي احتفالنا بذكرى توحيد القوات المسلّحة من فراغ، فإذا كان توقيع الآباء المؤسسين على وثيقة الاتحاد صباح الثاني من ديسمبر عام 1971 قد أسّس بنيان الدولة الاتحادية التي نفاخر الدنيا بها اليوم، فإن قرار «الحكيم» زايد، رحمه الله، بتوحيد القوات المسلّحة في السادس من مايو عام 1976 كان في أهميته بمثابة التوحيد الثاني للإمارات السبع وأبنائها الخلّص الميامين.

فالجيش، والقوات المسلحة عموماً، مثل الوطن لا يقبل القسمة، ولذلك لم يكن ممكناً أن تكون هنالك دولة واحدة وتستمر وتنجح إلا إذا أصبح الجيش، مثلها، واحداً موحّداً، تماماً كالبيت المتوحد الذي نتفيأ بحمد الله ظلاله الوارفة وأمنه وعطاءه.

قرار القيادة التاريخية للإمارات كان استراتيجياً لم تقف نتائجه عند حدود ذلك اليوم المبارك الذي اتخذ فيه، فنحن لا زلنا إلى اليوم نعيش نتائجه المثمرة، وسيبقى أبناؤنا وأحفادنا يستظلون بهذه النتائج الخيّرة إلى يوم الدين بإذن الواحد الأحد.

ولكي نفهم الأبعاد الوطنية العميقة لقرار توحيد القوات المسلّحة الذي اتخذ في مثل هذه الأيام قبل 39 عاماً، اسمحوا لي أن أذكّركم بنص المادة 10 من دستور دولتنا الحبيبة، والتي تقول:

«أهداف الاتحاد هي الحفاظ على استقلاله وسيادته وعلى أمنه واستقراره، ودفع كل عدوان على كيانه أو كيان الإمارات الأعضاء فيه، وحماية حقوق وحريات شعب الاتحاد وتحقيق التعاون الوثيق فيما بين إماراته لصالحها المشترك من أجل هذه الأغراض، ومن أجل ازدهارها وتقدمها في كافة المجالات وتوفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين من احترام كل إمارة عضو لاستقلال وسيادة الإمارات الأخرى في شؤونها الداخلية في نطاق هذا الدستور».

أما المادة 120 من الدستور، والتي تناقش اختصاصات الدولة الاتحادية، فتورد من بين هذه الاختصاصات:

- الدفاع والقوات المسلحة الاتحادية.

- حماية أمن الاتحاد مما يتهدده من الخارج أو الداخل.

وصولاً إلى المادة 138 التي تنص صراحة على أنه «يكون للاتحاد قوات مسلّحة برية وبحرية وجوية، موحّدة التدريب والقيادة»، بينما قصرت المادة 142 الحق في إنشاء القوات المسلّحة البرية والبحرية والجوية على الدولة الاتحادية وحدها.

لعل أهمية هذه النصوص الدستورية أنها توضّح لنا بما لا يدع مجالاً للشك الترابط المنطقي بين اتحادية الدولة ووحدة قواتها المسلّحة، فالحفاظ على استقلال الاتحاد وسيادته، وعلى أمنه واستقراره، ودفع كل عدوان على كيانه أو كيان الإمارات الأعضاء فيه، وحماية حقوق وحريات شعبه لا يمكن أن يتحقّق بالمعنى المقصود دستورياً ومنطقياً إلا بجيش متوحّد، وبقوات مسلّحة ذات قيادة واحدة وتدريب موحد.

وتأتي ذكرى التوحيد هذه السّنة متزامنة مع ثلاثة متغيرات هامة لا بد لنا من التوقّف عندها لما تحمل من دلالات:

الأول، هو أن هذه أول ذكرى لتوحيد القوات المسلحة بعد البدء بتطبيق قانون الخدمة الوطنية والاحتياطية، حيث رأينا الآلاف من أبنائنا وبناتنا ينضمون لدفعات الخدمة العسكرية ليكونوا جزءاً من منظومة القوات المسلّحة، درع الاتحاد وحماة الشعب ورمز عزة الوطن، ما يجعلنا نجدّد فخرنا بهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم سبحانه وتعالى هدى، ثم وثقوا بوطنهم وقيادتهم فأنعم الله عليهم بالمجد والعز وهم يسهرون على أمن دولتهم وشعبهم فهنيئاً لهم مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (رواه الترمذي).

والخدمة الوطنية والاحتياطية تتمة طبيعية لمسيرة التوحيد، لأنها دمجت الشعب في القوات المسلّحة للقيام بالدور الطبيعي في الدفاع المقدس عن حمى الوطن وأرضه وسمائه ومائه وحدوده وازدهاره ومكتسباته، مثلما أنها تلبية عملية لاستحقاق دستوري ملزم يوجب على المواطن أن يقوم بدوره في الدفاع عن دولة الاتحاد.

أما المتغير الثاني، فهو تزامن الذكرى مع مشاركة قواتنا المسلّحة الباسلة بشكل نوعي مقتدر في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب متمثلاً في عصابة داعش الإرهابية، وكذلك في التحالف العربي لإعادة الأمل إلى الشعب اليمني الشقيق بعد مشاركتنا الناجحة في عملية عاصفة الحزم في البلد الشقيق.

إن هاتين المشاركتين تبرزان من جديد الدور الأخلاقي لدولة الإمارات العربية المتحدة ومساهماتها الإيجابية كدولة مسؤولة تقوم بواجباتها تجاه الأشقاء والمجتمع الدولي ليس فقط بتقديم المساعدات الإنسانية وحدها، وإنما أيضا بالمساعدة على إحلال الأمن والدفاع عن الأبرياء ونصرة المظلومين ونجدة الشقيق.

ولعل مرابطة عدد من طائرات سلاحنا الجوي الباسل في الأردن الشقيق للمشاركة في حملة تأديب عصابة داعش بعد جريمتهم البشعة بإحراق الطيار الأردني حياً، لعل هذه المرابطة تؤكد من جديد أن الإمارات وهي تبني قواتها المسلحة لحماية أمنها الداخلي تدرك بالتطبيق العملي أن أمنها الوطني جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي المتكاملة والمتشابكة، وأن الإمارات ستقف مع أشقائها حماية لأمنهم ولأمنها.

والمتغير الثالث، هو أن عاصفة الحزم شهدت وكما رأى العالم استخدام تقنيات عسكرية إماراتية متطورة، من بينها الطائرات من دون طيار، من إنتاج الصناعات الدفاعية الإماراتية، بكفاءة واقتدار نسجد لله تعالى حمداً وشكراً عليه.

وأعتقد أن سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، قطع قول كل خطيب وهو يصرح لمجلة درع الوطن قائلاً: «إن سعينا نحو بناء قوة ذاتية مستدامة غير موجّهة ضد أحد باستثناء كل من تسوّل له نفسه بتهديد كياننا، فنحن دعاة سلام وعدل ندعم دولة القانون والشرعية في كل مكان».

وسموه، حفظه الله، هو الذي حرص بهمة القادة أن يعاهد الآباء المؤسّسين، صناع وحدة البلاد ووحدة الجيش، على مواصلة الأخذ بنهجهم السليم في تعزيز قدرات قواتنا المسلحة بقطاعاتها كافة بتوفير كل المستلزمات الكفيلة بالمحافظة على مستواها والارتقاء بأداء قادتها وضباطها وجنودها والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من العتاد والأسلحة والخبراء والمدربين من خلال تشجيع قطاع الصناعات الدفاعية التي تجاوزت مرحلة التأسيس نحو الإنتاج، وإننا بعون الله سنحقق ما نصبو إليه.

نعم، إننا بعون الله سنحقق ما نصبو إليه طالما كان قادتنا من أمثال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهم أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات.

ولا أجد في هذا المقام أبلغ من توصيفين اثنين لأهمية الاتحاد ووحدة القوات المسلحة. فقد وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله عملية بناء قواتنا المسلحة بأنها كانت في قلب عمليات بناء الدولة والمجتمع فتفاعلت معها وواكبتها في الإنجازات والتقدم.

أما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان فذكرنا جميعا أن اتحادنا نجح في أن يضع دولتنا في مصاف الدول القوية وعندما نتكلم عن القوة، فإننا نقصد القوة بمفهومها الشامل الذي لا يقتصر على القوة العسكرية فقط وإنما يتضمن القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والإبداعية أيضاً، فضلاً عن قوة النموذج الملهم في التجربة التنموية لدولتنا.

وبمثل هذه النظرة المستشرفة لمستقبل دولتنا الاتحادية، فإن النتيجة الطبيعية التي يمنحنا إياها توحيد قواتنا المسلحة هي باختصار ما قاله شاعرنا بلساننا جميعاً:

يا خصيم الدار، شوف، وموت غصّه!

 

Email