تأملات في الثورة الفرنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في نهاية القرن الثامن عشر، كانت هناك ثورتان كبيرتان في الغرب، إحداهما الثورة الأميركية والأخرى الفرنسية. اختار الأميركيون حرية الفرد عنوانا لثورتهم، التي مجدت حقوق الإنسان والقيم المطلقة.

وسعت النسخة الفرنسية المختلفة تماما إلى تحقيق نتيجة مساوية لنتائج الثورة الأميركية. ولم يعتبر الفرنسيون القوانين أمرا مطلقا، وإنما مفيدة بحيث تساهم في العدالة الاجتماعية المفترضة وإعادة توزيع الثروات. وبدلا من أن تفضي هذه الثورة إلى سن وثيقة حقوق وفصل بين السلطات أفضت إلى عمليات إعدام جماعية وطغيان نابليون بونابرت. وللأسف، فإن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تحذو حذو النموذج الفرنسي أكثر من الأميركي.

وفجأة، أصبحت البيروقراطية الاتحادية المحايدة من محفزات التحويل الجذري في أميركا. وغالبا ما نسي البيروقراطيون الأيديولوجيون مهمتهم الأصلية. وأصبح بإمكان وكالة "ناسا" الأقدام على خطوات أفضل لضمان أن رواد فضائنا مستقلون عن صواريخ فلاديمير بوتين الروسية، وليس الزعم أن مهمتهما الأساسية تتمثل في الوصول إلى المجتمع المسلم.

يتنافس مدراء المخابرات مع بعضهم البعض لإرضاء رؤسائهم بتحليلات سياسية سخيفة ولكنها صحيحة سياسيا. وأكد مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت علمانية إلى حد كبير. ومرة وصف مدير المخابرات الأميركية جون برينان تنظيم "داعش" بوصف "السخيف". وحذر المدير السابق لجهاز الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو من أن الجنود العائدين من الحرب واليمينيين وليس المتطرفين هم من يشكلون التهديدات الإرهابية الرئيسية على المستوى المحلي.

فقدت خدمة إيرادات الحكومة الاتحادية في الولايات المتحدة سمعتها غير الحزبية بعد مطاردة الأعداء الأيديولوجيين. ولم تعد تلتزم بالمعايير التاريخية، ومنها الشفافية، والتقديم السريع للوثائق، والصدق، والتي كانت تطلبها لدى إجرائها مراجعاتها الخاصة.

وتمثل دور دائرة الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة في أحد الأوقات بفرض القوانين الاتحادية التي أنشأها الكونغرس ووقع عليها الرئيس الأميركي. ولم يكن من المفترض بوكلاء حرس الحدود أن يصبحوا وكلاء التغيير الاجتماعي لإبطال القوانين المُسنة بعدم الامتثال لها.

وكان واضحا على الفور أن هجوم عام 2012 على القنصلية الأميركية في بنغازي بليبيا كان هجوما معدا سلفا من قبل أحد التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي. ولكن تلك الحقيقة لم تتناسب والرواية التي أشيعت قبيل دورة إعادة الانتخابات الأميركية بأن تنظيم القاعدة في حالة فرار وضعف.

وردا على ذلك، لفق مسؤولون رسميون، مثل المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس ووزيرة الخارجية الاميركية آنذاك هيلاري كلينتون سيناريوهات معينة، من المفترض أنها تخدم سببا وجيها. ففجأة ألقي باللوم على مخرج فيديو مُتطرف يدعى نيكولا بسيلي نيكولا، وقيل إنه وحده من حرض الجمهور الليبي على التظاهر العفوي. وهذه كانت لحظة مهمة لتعليم الإدارة الأميركية تكميم أفواه مثيري القلاقل الرجعيين.

ماذا حدث لجهاز الخدمة السرية؟ دخل متسلل إلى البيت الأبيض وضرب أحد وكلاء الخدمة السرية. وتبين أنه مجرم سابق مسلح بالكامل، صعد مع رئيس الولايات المتحدة في المصعد ذاته. وسُمع دوي إطلاق نار في البيت الأبيض.

وغُيرت الروايات الرسمية بشأن هذه الحوادث كي تتناسب مع أجندات أكبر. وفي أحد الأيام فقد البيت الأبيض ثقته كاملة في مديرة جهاز الخدمة السرية جوليا بيرسون، وغادرت بين ليلة وضحاها. وفي يوم من الأيام كان ترك العراق أحد إنجازات الرئيس الأميركي باراك أوباما الممتازة، وقيل في اليوم التالي للانسحاب أن شخصا آخر فعلها. وقيل أيضا أن الجيش السوري الحر ضربٌ من الخيال وأنه يتكون من عناصر غير ناضجة، بينما يعد اليوم محورا استراتيجيتنا لضرب "داعش".

لقد عدنا مجددا إلى التحريف اليومي لقانون الرعاية الصحية، بحيث قد يكون لدينا طبيب خاص وخطة صحية وقد لا يكون، بينما أسعار العلاج في صعود ونزول. وقد تتحول الوكالات الفدرالية اللاحزبية من خدمة هدف تغيير أميركا من خانة الاعتزاز وتكافؤ الفرص إلى خانة النتائج القسرية.

ويعد من أبرز القيادات الثورية اليوم بالنسبة لنا، جورج دانتون، وجان بول مارا وماكسيميليان دي روبسبير، وليس المؤسسين الأوائل.

Email