الصراع على المصير

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل البشر منذ نشأة التاريخ في صراعات حول الأرض والثروة والهيمنة والسلطة.. الخ، ولم يشهد التاريخ الإنساني مرحلة من مراحله خالية من الصراع، وأسوأ أنواع الصراعات، هي الصراعات العسكرية المسلحة.

وها نحن في القرن الحادي والعشرين نعيش كل أشكال الصراعات التاريخية بلا استثناء، من الصراعات بين الدول، إلى الصراعات حول النفوذ والهيمنة، إلى الصراعات الطبقية، إلى الصراعات الأيديولوجية إلى الصراعات الطائفية. ومنطقتنا العربية مكان فريد الآن في العالم الذي يعيش صراعات وصلت حد الصراعات المدمرة، بل ويعيش كل أشكال الصراعات التاريخية.

غير أن أهم ما يميز الصراعات في بعض بلدان العرب هو أنها صراعات على المصير. وهذا النمط من الصراعات، أقصد الصراع على المصير، من أكثرها كلفة بشرية ومادية وأشدها فتكاً. وآية ذلك تكمن في صراع القوى من أجل البقاء بالمعنى الدارويني للكلمة. فتشهر القوى المتصارعة كل أسلحتها الممكنة من أجل تحديد النهايات التي يُحارب من أجل تحقيقها.

فالقوى المنهارة تاريخياً والتي فقدت شروط بقائها في السلطة لا تريد أن تستسلم للتاريخ الطبيعي ولا تستطيع أن تتخيل خروجها من ساحة الحياة مهزومة إلى الأبد. إنها وهي تدرك مصيرها الحتمي بالزوال، وما يجره هذا الزوال من تبعات تشهر أكثر أسلحتها فتكاً وتدميراً دون أي حس أخلاقي وإنساني، وضميرها المنهار أخلاقياً أصلاً، هو سلاحها الأقذر، ودون أي اكتراث بمصير الوطن. فالمصير لديها هو التالي: فإما البقاء في السلطة، وإما عليّ وعلى أعدائي بتدمير البلاد والعباد.

وليس هناك أخطر من السلاح بيد قوى منهارة تتميز بغباء عقلي وتبلد عاطفي وانحطاط أخلاقي. إن المرء ليسأل: ما هذا التحالف الذي تم بين الحوثيين الذين يسمون أنفسهم أنصار الله وبين أنصار علي عبدالله صالح.. فإذا كان الحوثيون أنصار الله فعلاً فيجب أن يكونوا خصوم علي عبدالله صالح، إذ كيف لك أن تكون نصير الله ويدك بيد رئيس مخلوع متهم بالفساد وتوزيع السلطة والثروة على الأقربين، وهذا سلوك يناقض مفهوم الأمانة الذي تؤكد عليه جميع الأديان؟

وكيف يمكن لعلي لعبدالله صالح أن يتحالف مع الحوثيين وهم يسعون إلى السلطة باسم أنصار الله وليس باسمه، في الوقت الذي ما زال الحزب الذي ينتمي إليه ركناً أساسياً من أركان السلطة؟

لقد جر الحوثيون وعلي عبدالله صالح اليمن إلى حالة من الحرب كانت اليمن بمنجىً منها، وكادت تسير على مسار سلمي نحو الاستقرار السياسي، غير أن شهوة السلطة لدى الحوثي وصالح قد أفسدت الحياة وحالت دون أن يمضي اليمن في الطريق الأسلم نحو الاستقرار. والمسألة في أساسها تكمن في الخلط الزائف بين مصير اليمن بوصفه وطناً ومصير أنصار صالح وأنصار الله الحوثيين، حيث لم يتصور كل منهما مصير اليمن إلا محكوماً، وبالقوة المسلحة، من قبل حوثي- صالح.

وبالمقابل إن قوى الحياة الجديدة المتصالحة مع منطق التاريخ والفاعلة من أجل مصير جديد للأوطان، تعمل من مصير متطابق مع العصر والحاجات الروحية والمادية لعربي يعيش في القرن الحادي والعشرين، باحثاً عن دولة تحقق له قيمتين أساسيتين: الحرية والكرامة يكافح بكل ما يملك من قوة مادية وبشرية من أجل تحقيق المصير البديل هذا.

وعندي، إن خطاباً جديداً يجب أن يتقدم جميع الخطابات، وأن تكون جميع خطابات السياسة والفكر صادرة من وحيه، ألا وهو مصير الأوطان هو السؤال الرئيس، الأوطان التي نريدها أوطاناً للإنسان الحر الكريم السعيد الآمن، الأوطان التي ترتقي بشعوبها نحو المدنية والحضارة المتقدمة، وخالية من العنف باسم أية أيديولوجيا كانت.

Email