الذئاب الجريحة تتربص بمصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يفاجأ معظم المصريين بإعلان الرئيس السيسي أن الانتخابات البرلمانية ستجرى قبل نهاية العام، فالتعديلات على القانون الخاص بالانتخابات الذي حكم القضاء بعدم دستوريته مازالت رهن البحث.

 ورمضان على الأبواب وكذلك امتحانات المدارس والجامعات، لكن الأهم من كل ذلك أن أهمية الانتخابات تراجعت في الأولويات بعد الحرب على جماعات الإرهاب، وبعد إصلاح مطلوب بسرعة للأوضاع الاقتصادية وخلق وظائف جديدة لأكثر من أربعة ملايين يعانون البطالة وفقاً للأرقام الرسمية!

كل المؤشرات كانت تقول منذ فترة إن الانتخابات البرلمانية «وهي الخطوة الأخيرة في خريطة الطريق» لن تجرى إلا في نهاية العام، ورغم تصريحات عديدة صدرت عن مسؤولين كبار «بمن فيهم رئيس الوزراء» بأن الانتخابات ستجرى قبل رمضان..

ورغم اجتماعات عقدت بين المسؤولين وممثلي الأحزاب وصفت بأنها من باب «الحوار المجتمعي» حول تعديلات قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية، فقد كانت الشواهد تقول إن نهاية العام هي الموعد الأقرب لإجراء الانتخابات، ليكون الاحتفال بمرور أربع سنوات على ثورة يناير موعداً تكتمل قبله خريطة الطريق..

وتنتهي معها فترة انتقالية طالت لأسباب تعود إلى ما بعد ثورة يناير مباشرة! بعد يناير 11 طالبنا مع غيرنا بفترة معقولة للتعامل مع آثار سقوط نظام استمر في الحكم لأكثر من ثلاثين عاماً، ولإعداد الساحة للتغيير الجاد وترقب أهداف الثورة إلى مؤسسات وسياسات.

لقد عبرت مصر من باب 30 يونيو إلى منطقة استرداد الثورة التي كادت تسرق، والوحدة التي كادت تضيع في أتون حرب أهلية حاول «الإخوان» أن يجعلوها الخيار الوحيد للخلاص منهم، وقطعت مصر أشواطا كبيرة لتعزيز نظام ما بعد 30 يونيو في وجه حصار قادته أميركا،..

وفي وجه إرهاب يعصف بالمنطقة ويريد أن يجعل من سيناء قاعدة له، وفي وجه مخططات تتشارك فيها جماعات المتاجرين بالدين مع قوى إقليمية ودولية لا تريد خيراً لمصر ولا للعرب، بل تريد أن تكون تفاهماتها على حساب العرب..

وخصماً من أراضيهم ومن استقلالهم، وتعميقاً لجراح مذهبية أو طائفية كان هؤلاء الأعداء «ومعهم إخوان الإرهاب» هم من زرعوها في جسد هذا الوطن. لا نريد أن نتباكى على سنوات ضاعت، ولا على جهد ضاع.. ولكن علينا أن نتذكر أننا لو بدأنا بالطريق الصحيح لما وجدنا الوضع الحالي..

حيث «المجالس المحلية» التي تبسط نفوذها في الأقاليم كما هي منذ ما قبل ثورة يناير! واتحاد العمال ونقاباته على نفس الوضع! وباستثناءات قليلة فإن شباب الثورة لم يجد مكاناً في النقابات المهنية كما لم يجد مكاناً في غيرها من التنظيمات التي تؤهله لاتخاذ مواقع أساسية في إدارة شؤون الوطن! وتبقى الحصيلة النهائية –حتى الآن– لا تدعو للتفاؤل ببرلمان جديد يشمل الثورة أو يقترب من ذلك!

فالأحزاب السياسية ضعيفة أو ضائعة، سواء منها القديم أو الجديد. وشباب الثورة ضاع في ظل غياب الدعم المطلوب، ومع أحزاب لا تؤمن حقيقة بالثورة ولا التغيير، فكانت النتيجة أن أطلت قوى الثورة المضادة بأسوأ صورة ممكنة! وحتى الآن..

فإن انتخابات مجلس النواب القادم رهن بنفوذ العصبيات والولاء القبلي أو العائلي، أو بقدرة أتباع الأنظمة القديمة التي أسقطها الشعب في ثورتين، سواء في ذلك نفوذ من كانوا خداماً للحزب الوطني...

أو ممثلين لإخوان الإرهاب بكل تفرعاتهم ومختلف لافتاتهم، مع سطوة تتصاعد يوماً بعد يوم للمال السياسي الذي سيكون دوره في الانتخابات القادمة حاسماً بصورة غير مسبوقة! ومع غياب شبه كامل لتنظيم يمثل الثورة «أو الثورتين» ويكون هو الضامن لمستقبل مصر! إن الأهم من موعد الانتخابات هو ما تفرزه حقائق الوضع السياسي من نتائج لهذه الانتخابات..

والحقائق السياسية حتى الآن لا تبشر ببرلمان يمثل الثورة، والمال السياسي يزداد تأثيره ليس فقط من جانب المتاجرين بالدين، بل أيضا من جانب من يتصورون أن قدراتهم المالية قادرة على المجيء ببرلمان ينحاز لهم ويخضع لقراراتهم ويضع السياسة في خدمة شركاتهم ومؤسساتهم، ناسين أن ذلك هو ما أودى بنظام مبارك في مرحلته الأخيرة!

والسؤال المركزي الآن هو: هل تتوحد قوى الثورة في مواجهة العائدين من أنصار استبداد وفساد ما قبل يناير ويونيو.. أم أن الوضع سيبقى كما هو.. خاصة أن البعض في موقع المسؤولية الآن قد يتصور أن برلماناً ضعيفاً أفضل له أو قد يعتقد أن الذئاب الجريحة «من فلول النظامين اللذين أسقطهما الشعب» قد تستسلم لجراحها وتنسى أنها ذئاب!

 

Email