عنف الآباء ضد الأطفال والحصاد المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأسرة وهي بيئة الطفل الأولى عندما تقوم بدورها في رعايته نفسياً وجسدياً تخرج للمجتمع فرداً صالحاً مؤهلاً لاستكمال مسيرته، لكن عندما تكون سبباً في تشويهه النفسي كيف لنا أن نتوقع ماذا سيكون عليه حاله؟ وهو من تأذى ممن كان واجبهم الحفاظ عليه، وكيف سينعكس ذلك على سلوكه مع الآخرين.

لذا فإن خطورة تعرض الطفل للعنف من الآباء تأتي من أنها حلقة لها ما بعدها، فالأسرة هي الجماعة الاجتماعية الأولى التي يكتسب منها الطفل أكثر سلوكياته ديمومة، فالتجارب الأولى تدوم طويلاً، ولأن هنالك عملية نفسية تتم داخل عقل الطفل تسمى الإبدال والتحويل؛ وتعني أنه عندما يكون هناك عائق يحول دون إطلاق الحالة الانفعالية للفرد، مثل حالة الغضب التي تتولد عند الأطفال تجاه آبائهم.

والتي لا يستطيعون إنفاذها، فإنهم يحولونها إلى موقف آخر يشبه الموقف الأول، فيقاوم كل سلطة أبوية مثل معلمه في المدرسة، فتنتقل حلقة العنف المنزلي ضد الطفل إلى عنف الطفل في المدرسة، ولتبدأ حلقات الأواني المستطرقة التي تصاحب الفرد طفلاً ثم شاباً، وإذا لم يجد من يصلح من شأنه ويقوم سلوكه تصحبه رجلاً، ولكل مرحلة توابعها وآثارها.

كما أن الأسرة بعنفها ضد أبنائها يصدرون حالة من العنف للمؤسسات التعليمية، وهكذا دواليك، فإذا أردت أن تعرف جذور السلوك العنيف عند من يشرع فيه ابحث عن الأسرة والآباء على وجه التحديد، ذلك أن كثيراً من السلوكيات تتم بما نعتاد عليه، فمن عوده أبواه على أن يكون منطق القوة هو السائد في حواراته لا قوة المنطق فلا شك أن قطاعاً كبيراً سيستخدم المنطق نفسه، عندما تكون له أسرة، مع أبنائه، بل وفي بيئة عمله، وتتكون لديه صور خاطئة عن سلوكيات غير مقبولة بحجة أن ذلك الذي تربينا عليه فلما لا نمارسه.

ولقد استرعى انتباهي ما نشرته جريدة "البيان" الغراء منذ أيام حول واقعة ترك ولية أمر لابنتها البالغة من العمر 12 عاماً، من ذوي الاحتياجات الخاصة، في الشارع كعقوبة لها على شجارها الدائم مع أشقائها، بدلاً من أن تبحث لتعرف أسباب ذلك وكيف تصلحه، فضلاً عن ازدياد حالات عنف الوالدين ضد الأطفال، حسب تصريحات عفراء البسطي، المدير التنفيذي لمؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال.

والتي أكدت فيها أن هناك رصداً لحالات عدة خلال الأشهر الماضية لإهمال الأطفال وتعرضهم للتعذيب من قبل أولياء الأمور أو الخادمات، وإن آثار هذا الإهمال والتعذيب يكون ظاهرياً، وقد ينحصر في الإهمال النفسي الشديد الذي يدفع الأطفال إلى النفور من التعليم، والعدوانية ضد أقرانهم وإخوانهم، وبينت أن هناك العنف الجسدي، والعنف العاطفي، والعنف اللفظي، والإهمال.

ومشاهدة العنف الواقع بين أفراد الأسرة، لافتة إلى أنه - للأسف - نسبة كبيرة من أولياء الأمور يقومون بتعذيب أبنائهم وإهمالهم بطريقة كبيرة، خاصة في ظل التفكك الأسري وانفصال الوالدين أو انشغالهم وترك مهمة الأبناء للخدم، الذين لا يتحملون هذه المسؤولية الكبيرة، ويلجؤون إلى ممارسات غير صحية وغير أخلاقية مع الأطفال، منها ضربهم أو حبس حريتهم.

إن استخدام الآباء العنف ضد الأبناء يكسر الإنسان بداخلهم ويشعرهم بالمهانة وعدم تقدير الذات، وهو ما يؤثر في ثقة الشخص بنفسه وقدرته على النجاح، فضلاً عن تردده الدائم عن اتخاذ أي قرار، أو تبنيه لموقف، إيثاراً للسلامة أو خوفاً من الإيذاء، فينشأ الفتى عاجزاً عن إدارة حياته وبلا موقف، كما أن مشاعره تظل حبيسه بداخله لا ترى النور، وليس ذلك عن رغبة منه بل خوفاً ممن حوله، مما يسبب العديد من الأمراض النفسية مثل العزلة والانطواء أو عدم الثقة فيما حوله.

ولقد ثبت كذلك علمياً أن الذين تعرضوا لاعتداء جسدي أو إهمال معرضين للإصابة باكتئاب أكثر من الذين لم يسبق لهم التعرض لمثل هذه المشكلات.

كما أن العنف ضد الأطفال يؤدى إلى مشكلات في النمو العصبي للطفل، فقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال المُعنفين تظهر لديهم مشكلات مثل الصعوبات في تطوير اللغة، واعتلال المزاج، وفقدان السيطرة على السلوك، وكذلك الاضطرابات الاجتماعية والعاطفية.

إن الاعتماد على العنف في التعامل مع الأبناء لا يمكن أن يخرج إنساناً مبدعاً، كيف وهو يعاني من القهر والكبت والخوف، وقد تمتد تلك الأعراض النفسية إلى أمراض جسدية، وقد ثبت أن منهم من يعاني من بعض أنواع الآلام المزمنة في الدماغ، وألم البطن، وآلام في الحوض، أو العضلات من دون وجود سبب محدد.

عندما نخرج للمجتمع طفلاً صحيحاً بدنياً ولائقاً ذهنياً يعلي منطق الفكر، ويكون لديه القدرة على التعبير عما بداخله، بالإضافة إلى قدرته على تحديد خياراته دون خوف أو تردد، وبذلك نكون قد ساهمنا في بناء جيل بار بأهله ومخلص لوطنه، كما أن النتيجة المنطقية لطفل لم يلق في حياته إلا التعنيف والإهمال من أبويه هي أن يعقهم عند الكبر.. فمن يزرع الحنظل يحصد المر.

 

Email