الترجمة والنهضة التي طال انتظارها

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيتذكر الكثيرون من بيننا ممن يقدرون الكتب بمزيد من السرور، الروائع التي قرأوها من الآداب الأجنبية، ولسوف نتذكر الروايات دوستويفسكي وتولستوي وقصص تشيكوف القصيرة وروايات فلوبير وقصائد لوركا وكتابات بيسوا ورائعة دانتي ألليغيري وبعض الروايات الإيطالية لمبدعين مثل ألبيرتو مورالي وكذلك روايات كتاب يابانيين مثل ياسوناري كاواباتا، دع جانباً الرائعتين العظيمتين لهوميروس وتلك الروائع الأخرى التي كتبها الإغريق القدامى للمسرح.

وقد أغفلت أيضاً ذكر ملحمة جلجامش هذا العمل الأول العظيم من روائع الأدب العالمي الذي كتب على الطين بالحروف المسمارية، ودعنا لا ننسى رباعيات عمر الخيام الرائعة التي أصبحت الآن عملاً كلاسيكياً في اللغة الإنجليزية بسبب الطريقة التي ترجمها إدوارد فيتزجيرالد، وهناك بالطبع الشاعر الصوفي العظيم مولانا جلال الدين الرومي الذي يبدو أنه الشاعر الأكثر قراءة في الولايات المتحدة، ودعنا لا ننسى ألف ليلة وليلة.

هذه الكتب المذكورة أعلاه، كتبت أصلاً بإحدى اللغات العديدة المختلفة التي يجهلها الكثيرون منا، ومع ذلك فقد استمتعنا بقراءتها في لغتنا، وهذا أمر تحقق بعرق شخص ما، وهذا الشخص يعرف بالمترجم.

أتذكر أنني كنت مع أحدهم في مدينة الدار البيضاء في المغرب، وكنا نناقش نجيب محفوظ والأدب العربي الحديث، وعندئذ قال أحدهم: «بالمناسبة لا بد أنك قد قرأت رواية بعنوان (موسم الهجرة إلى الشمال) التي كتبها كاتب سوداني يدعى الطيب صالح». ماذا عساني أقول؟ هل أقول إنني في حقيقة الأمر كنت قد قرأت هذه الرواية وقمت بترجمتها؟

مرت فترة خلال العصر العباسي حظيت فيها الترجمة باهتمام جاد، وتشير السجلات إلى أن المترجم الشهير حنين بن اسحق كان يتلقى راتباً شهرياً معتبراً، وأن الخليفة المأمون قد كافأه بثقل الكتب التي ترجمها ذهباً.

ومن المحزن أن مثل هذا الاهتمام لم يتواصل، وكان علينا أن ننتظر إلى أن بدأ محمد علي باشا في أوائل القرن التاسع عشر إرسال الطلاب في بعثات إلى أوروبا وبصفة رئيسية إلى فرنسا، لكي تترجم الكتب عن العربية من جديد.

غير أنه قيل أن افتقاراً غريباً للاهتمام من جانب العالم العربي قد صاحب المحاولات الأولى لإنجاز نهضة في الكتابة العربية المعروفة في العالم الخارجي.

هكذا فإن المجموعة الأولى من القصص العربية القصيرة المترجمة إلى الإنجليزية التي نشرتها مطبعة جامعة أكسفورد المتميزة، والتي ضمت قصصاً لكتاب من قبيل نجيب محفوظ، يوسف إدريس، جبرا جبرا، الطيب صالح، غسان كنفاني، توفيق الحكيم ومحمود تيمور تم تجاهلها في العالم العربي، ولم تقم أي مؤسسة أو حكومة عربية بشراء نسخة واحدة من هذه الطبعة.

من حسن الحظ أن الأمور اليوم مختلفة كثيراً في هذا الصدد، ودعنا لا ننسى أيضاً أن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الآداب كان راجعاً لترجمة العديد من كتبه إلى اللغة الإنجليزية ولغات أخرى. وأجدني اليوم على نحو ما فعلت في مقال عام 1946، أبادر على التشديد على أن الترجمة ليست مسألة وضع كلمة مكان أخرى، إنما هي فن، ودعنا نؤكد مجدداً أنه ما من شيء يتحرك من دون ترجمة. لقد آن الأوان لإعطاء المترجم التقدير والدعم اللذين يستحقهما عن جدارة، وهكذا فإن المرء لا يملك إلا أن يرحب أشد الترحيب بالاهتمام الذي تبديه الآن دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول العربية الأخرى بالترجمة.

ويسعدني اليوم بعد حياة مهنية حافلة في الترجمة الأدبية امتدت نحو 50 عاماً أرى أن الترجمة قد خرجت أخيراً من القمقم الأكاديمي وأن الأدب العربي يحظى أخيراً بالاعتراف والتقدير على الصعيد الدولي.

 

Email