صور لا تنسى من الماضى

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينظر اليوم إلى السير ويلفرد ثيسيجر باعتباره أعظم رحالة القرن العشرين ومستكشفيه، وكانت أكثر رحلاته شهرة هي تلك التي قام بها، في شبه الجزيرة العربية والعراق، ولد في أديس أبابا عام 1910، وأقام مع عائلته هناك حتى عام 1919، عندما عادت عائلته إلى إنجلترا، وتلقى تعليمه في مدرسة سانت أوبيان الابتدائية، وأكمل تعليمه لاحقاً في كلية إيتون.

كان ثيسيجر مولعاً كثيراً بالتصوير الضوئي، وأحس بأنه خلال رحلاته العديدة في العالم العربي وأفريقيا يتعين عليه أن يسجل من خلال عدسات الكاميرا، التي يحملها بعداً إضافياً لرحلاته باعتباره مستكشفاً.

وقد التقط ثيسيجر بصفة أساسية صور الناس، والأماكن وسيلة لتسجيل رحلاته، وكان بين الفينة والأخرى يلتقط صوراً للصيد، ولا تعكس صدى الصور، التي التقطها في أثيوبيا والسودان، إلا الحيوان الذي كان قد اصطاده لتوه والمشهد الذي كانت توجد عليه تلك الحيوانات.

لم يعتذر ثيسيجر قط عن حماسه لصدى الحيوانات البرية، ولم ينكر الانفعال، الذي كان يستشعره خلال الصيد، وكان يستخدم كاميرا صغيرة من طراز لايكا-35، كان قد اشتراها في عام 1933، وقد التقط نحو 24 صورة لحيوانات الصيد الكبيرة التي اقتنصها، وهي كلها من الزاوية نفسها، حيث كان يجهز الكاميرا مسبقاً، بحيث يستطيع أصدقاؤه تصويره مع إحداها بقربه.

لم يلتقط ثيسيجر صوراً عن قرب تقريباً في أثيوبيا أو السودان في مرحلة ما قبل الحرب، وفي عام 1938 فحسب، عندما درس صور فريا ستارك، التي نشرت في ذلك العام في كتاب «رؤية في حضرموت»، أدرك مكونات الكاميرا والإضاءة والظل والصور الشخصية.

وبحلول ذلك الوقت، كان ثيسيجر قد بدأ في الإفصاح عن موهبة ليس بالنسبة للصور الشخصية فحسب، وإنما أيضاً للإمساك بعنصر الزمن المراوغ في التقاط الصورة، وهو ما أطلق عليه اسم «اللحظة السحرية».

ينطبق هذا إلى حد كبير على العديد من الصور، التي التقطها ثيسيجر في صحراء شبه الجزيرة العربية من عام 1946 إلى عام 1950، وكان خلال تلك السنوات قد ربطته صداقة تستعصي على النسيان مع سالم بن كبينة، وسالم بن غبيشة، وهما من أبناء شبه الجزيرة العربية، وكذلك مع الشيخ فالح بن ماجد، وعمرة بن ثقوب في العراق.

تعد صور العائلات الأفريقية في كينيا، وبصفة خاصة صورة سامبور، وابنه بالتبني ولاوي يبوياري، ذات أهمية شخصية بالنسبة للرحالة الكبير، وتبرز أوصاف الرقص على نحو كبير في الصورة التي يرسمها لنا لرحلاته في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية والشرق الوسط وغرب آسيا. وهي تبرز أيضاً في الصور التي التقطها في أفريقيا، وقد التقطت العديد من صور ثيسيجر المبكرة في أثيوبيا بكاميرا من طراز «أولد بوكس» كانت ملكاً لأبيه، وهي تظهر في كتابه «رؤية بدوي» (1987).

وقد أعاد ثيسيجر إلى الأذهان ما كان يفعله بقوله: «شيء ما محدد كان يحدد المشهد، وعندما أطبع الصور كنت اقتطع شريطاً من أسفل كل صورة». بعد كاميرا كوداك، استخدم ثيسيجر أربع كاميرات لايكا 35 ملم ولايكا-2 من عام 1933-1944، ولايكا -3 دي من عام 1946 إلى عام 1955.

التقط ثيسيجر كل صوره باستخدام عدسات 50 ملم قياسية فقط، وقد كتب يقول في أحد كتبه، إنه عندما مضى إلى أهوار العراق أضاف عدسات من طراز إلماريت 35 ملم واسعة الزاوية، وعدسات أخرى لالتقاط الصور الشخصية.

وتفيد الرسائل لتي كتبها ثيسيجر إلى أمه أنه قد اشترى وبدأ في استخدام كاميرا جديدة من طراز لايكافليكس في شمال كينيا اعتباراً من عام 1960، وقد باع هذه الكاميرا في عام 1995، بما في ذلك خمس عدسات كان قد استخدمها، بعد أن بدأت قوة إبصاره في التراجع.

خلال رحلات ثيسيجر الصحراوية في شبه الجزيرة العربية، كان يحمل الكاميرا الخاصة به في حقيبة من جلد الماعز معروضة الآن في متحف بيت ريفر، وقد استخدمت هذه الحقيبة عندما ارتحل في نورستان في عام 1956، وقد كتب يقول في كتابه «رؤية بدوي»، إنه حتى عام 1956، كان يستخدم الكاميرا لايكا-2، التي كان قد اشتراها قبل أن يشد رحاله إلى السودان في 1934.

وقد كتب ثيسيجر إلى أحد أصدقائه ينصحه قائلاً: «عليك بالبدء بكاميرا يدوية لأن الكاميرا الأوتوماتيكية لا تعطيك إلا ما يمكنها القيام به فحسب».

يظل إدراك ثيسيجر لكل من المشهد والناس رومانسياً، وذلك على الرغم من ادعائه أنه لم يقم بإضفاء الطابع الرومانسي.

يبدو أن ثيسيجر قد تبرع بعدد كبير من صوره والأشياء التي جمعها أبوه وجده لمتحف بيت ريفر في لندن، في عام 1945، وكان تبرعه الأخير للمتحف قد تم عن طريق صديق له في عام 1998.

Email