الاتفاق النووي بين المؤيد والرافض والمتحفظ

ت + ت - الحجم الطبيعي

من بين العديد من الملفات الساخنة في الفترة الحالية يبرز ملف البرنامج النووي الإيراني والمحادثات القائمة بين الطرف الدولي، الممثّل في الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، مع إيران. فالأنظار تتجه نحو نهاية هذا الشهر، حيث من المتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق إطار عام يحدد مصير المفاوضات القائمة. وحول هذا الملف يبرز أولئك الذين يدعمون التوصل إلى اتفاق، والذين يعارضونه وأولئك المتحفظين؛ وهذه المقالة ستتوقف عند تحليل وجهات النظر تلك.

المؤيدون يعتبرون أنه لا خيار لحل الخلاف القائم مع إيران سوى بالتوصل إلى اتفاق سياسي حول برنامجها النووي. فهم يعتبرون أن خيار الاستمرار في سياسة العزلة وخيار المواجهة العسكرية هي خيارات غير عقلانية، لأنها ستخلق مشاكل أكثر وتعقيدات أكبر.

فخيار الاستمرار في العزلة عن طريق فرض مزيد من العقوبات لن يجدي، لأنه ـ في وجهة نظرهم ـ قد أثبت فشله، حيث أن برنامج إيران النووي قد أصبح اليوم أكثر تعقيداً وتطوراً عن ما كان عليه في السابق رغم وجود العقوبات على إيران. وخيار الضربة العسكرية سيخلق مشاكل أمنية للولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها، ليس فقط في المنطقة بل وفي العالم، عن طريق إطلاق العنان للجماعات الموالية لإيران، بأن تقوم بأعمال مهددة للأمن والاستقرار العالميين.

تتصدر قائمة المؤيدين لمثل هذا التوجه الإدارة الأميركية، وعلى رأسها الرئيس الأميركي باراك أوباما ومعه نسبة كبيرة من الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي. فهذا الفريق يرى أن الاتفاق عبر الطرق السياسية هو الحل الأمثل للجم قوة إيران. أوباما بالطبع جاء ببرنامج مثالي لتعامل واشنطن مع الخارج.

فإخراج الولايات المتحدة من مناطق الحروب التي زجت بها سياسات الإدارة الأميركية السابقة كان دائماً هو توجه الرئيس أوباما. لذلك فهو لا يؤمن باستراتيجية التدخل العسكري بشكل جديد في منطقة الشرق الأوسط لأنه سيخلق مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية للولايات المتحدة، أوباما يُعول كثيراً على التوصل إلى اتفاق مع إيران أملاً في تحقيق منجز تاريخي لشخصه، يمكن أن يُذكر به كما يُذكر الرئيس ريتشارد نيكسون بسبب انفتاحه مع الصين الشعبية. سجل أوباما في السياسة الخارجية ضعيف، ولا يمكن أن يُقوي من شعبيته في هذا المجال إلا بمنجز من مثل هذا الانفتاح والتقارب مع طهران.

ومن المؤيدين أيضاً نجد دولا كبرى، مثل روسيا والصين، وهي الدول التي تتمتع بعلاقات انفتاح وتعاون قائم مع إيران في العديد من المجالات. إيران بالنسبة لروسيا والصين دولة تشاطرهما النظرة السياسية تجاه النظام الدولي.

فهي ترفض سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة، وتعتبر أن النظام الدولي نظام متعدد الأقطاب، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تدعم هاتين الدولتين إيران في مساعيها الرافضة للخنوع لواشنطن. فالاتفاق بالنسبة لها هو مكسب لإيران ولها هي أيضاً، حيث أنه لن يؤدي إلى إضعاف طهران.

بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الدول لديها مصالح اقتصادية كبيرة مع إيران ولاسيما في مجال البرنامج النووي الذي يعطي روسيا مزيداً من المساهمة في الاستثمار فيه. أما الصين فإن استثماراتها ومشاريعها كبيرة في إيران. أما عن الرافضين للاتفاق فإن حُجتهم هي أن هذا الاتفاق سيمهد الطريق أمام جعل إيران تعمل بشكل أكثر حرية لفرض هيمنتها، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، ويمكنها من أن تحتفظ بالقدرة النووية الكفيلة بالتحول للاستخدام العسكري لها متى ما قررت ذلك.

يرفع لواء هذا الموقف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو ومعه نسبة كبيرة من أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي. هؤلاء يعتبرون أن الرئيس أوباما يقلل من خطر البرنامج النووي الإيراني وكأن الاتفاق سيوقفه، وفي الواقع بالنسبة لهم أن هذا الاتفاق سيمهد الطريق أمام البرنامج النووي الإيراني كي يتطور من خلال استعادة إيران لعافيتها من جراء رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها.

نتانياهو يعتبر أن أوباما ينخرط في الاستراتيجية الخاطئة، حيث ان جل همه متجه نحو محاربة ما يسمى بتنظيم داعش، فيما من المفترض أن يضع حداً لبرنامج إيران النووي الذي يعتبره السبب في دفعها نحو الهيمنة في المنطقة.

أما عن المتحفظين فهم كُثر، وتمثلهم الدول العربية والكثير من الدول الأوروبية، وموقف هؤلاء هو أن برنامج إيران النووي يجب أن يتم حله سياسياً، لذلك فهم مع الاتفاق، إلا أن هناك مجموعة من التحفظات التي يعتبرونها تمثل هواجس أمنية لهم في حالة ما تم الاتفاق، ومنها: إلى أي مدى سيوقف الاتفاق طموح إيران النووي، وما هي الآلية الضامنة لالتزام إيران بالاتفاق، وما هي المدة الزمنية المحددة له، وما مستقبل الوضع بعد انتهائها، وهل هذا الاتفاق تقني أم سياسي، أي أنه سيتوقف عند حدود البرنامج النووي أم سيشمل إدخال مواضيع سياسية أخرى في ظل صفقة شاملة، وماذا عن العقوبات المفروضة وكيفية رفعها.

كل ذلك يمثل هاجسا للدول المتحفظة الساعية للحصول على إجابات شافية قبل التوصل إلى اتفاق. المتحفظون هم أكثر عقلانية في التعامل مع الأمور، حيث أنهم ليسوا من المهرولين ولكنهم ليسوا ايضاً من المتعنتين.

ولعل تطورات الأيام الأخيرة تشير إلى أن كفة المؤيدين قد تكون هي الأعلى في الفترة الراهنة، إلا أن الواضح أن الطريق لن يكون سهلاً لمثل هذا الاتفاق، حيث ان الكونغرس الأميركي ذا الأغلبية الجمهورية يتوعد بين فترة وأخرى بالوقوف ضد الاتفاق بأشكال مختلفة.

ولعلنا نعتبر أن هذا الاختلاف قد يحمل بوادر إيجابية وأخرى سلبية.

فالإيجابية منها تتمثل في أن الطرف الآخر في الاتفاق سيظل يعمل حساباً لتهديدات الرافضين، وسيعمل على الالتزام بما تم الاتفاق عليه. أما السلبية منها فإن هذا الاختلاف من شانه أن يُضعف الموقف بين من يعتبرون حلفاء، ويقوي من موقف الطرف الآخر. ولعل الحل الأمثل هو أن يتجه الداعمون لأخذ تحفظات المتحفظين في عين الاعتبار، لأن تلك الدول تمثل حلفاء للولايات المتحدة ودعمها ضروري لتقوية موقف الداعمين.

Email