موقف فلسطيني مغاير

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا ندري مدى التزام المفاوضين الفلسطينيين بقرار مجلسهم المركزي بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع إسرائيل. ولكن إن صدقت هذه الغضبة، ومضى بها أصحابها إلى التطبيق والنفاذ، فهذا يعنى أنهم قد برئوا إلى حد كبير من إدمانهم انتظار ما تسفر عنه مواسم الانتخابات الإسرائيلية.

ومن بشائر هذا الشفاء أيضاً، القرار الفلسطيني بمواصلة جهود الانضمام إلى المواثيق والمؤسسات الحقوقية الدولية، وفى طليعتها «.. متابعة الإجراءات مع المحكمة الجنائية الدولية، من أجل ملاحقة جرائم الحرب الإسرائيلية ومحاسبة المسؤولين عنها..».

ولأن هذه القرارات اتخذت تحت ضغوط مالية واقتصادية وسياسية من جانب إسرائيل ومحازبيها، فإننا إزاء فأل حسن، يعد بسياسية فلسطينية أكثر جرأة وصلابة ضد العنجهية الإسرائيلية، ومحاولة لي عنق الفلسطينيين.

ندفع بهذا المنطق، وفي الذهن أن السياسة الفلسطينية كانت تعمد إلى حجب مواقفها ومبادراتها الخشنة ضد إسرائيل، أثناء الحملات الانتخابية الإسرائيلية، على أمل تهيئة الأجواء وتوسيع الفرص أمام صعود القوى السلامية والموصوفة باليسارية، وإحراج المتنمرين اليمينيين.

لقد تكرر مثل هذا السلوك منذ بداية عملية التسوية قبل أكثر من عقدين، وذلك على الرغم من ادعاء الفلسطينيين بأن انتخابات الإسرائيليين شأن داخلي يخصهم وحدهم.

وعلى سبيل الاستطراد المفيد، لنا أن نستذكر كيف أن بعض العواصم العربية ضلعت بدورها في التلويح عن بعد، بإجراءات وخطوات توحي بالانحياز بين يدي هذه الانتخابات إلى قوى بعينها. ومن ذلك، استقبال مسؤولين إسرائيليين محسوبين على خيار التسوية؟!.

لا حاجة بنا في هذا المقام لاستحضار مشاعر الخيبة والإحباط لدى التسوويين الفلسطينيين والعرب، التي كانت تلي كل تجربة انتخابية إسرائيلية، بعد التأكد من أن تعاقب الأحزاب والقوى السياسية على سدة الحكم وصناعة القرار في تل أبيب، لم تصرف إسرائيل الدولة عن ثوابتها الكبرى تجاه التسوية بشقيها الفلسطيني والعربي.

وعليه، نزعم أن جديد الحملة الانتخابية الإسرائيلية المتفاعلة راهناً، يأتي من الجانب الفلسطيني، كونه تخلى عن أشواقه وآماله في حدوث تحول إسرائيلي إيجابي فارق، يتعاطف مع حقوقه بفعل تفضيلات للمرشحين والناخبين الإسرائيليين.

وراح يجنح إلى الاستعصام ببعض ثوابته، غاضاً النظر عما يجري في سياق هذه الحملة. الحق أن هذه الرسالة الفلسطينية تبدو مناسبة تماماً لمقتضى الحال.. فالقوى الإسرائيلية المتشاكسة انتخابياً، لا تطرح في خطاباتها ما يوحي بأي إغراءات للفلسطينيين.

ولا تقدح في هذا التصور مزاعم بنيامين نتنياهو وسواه من «الليكوديين واليمينيين»، بأنهم يختلفون جذرياً مع منافسيهم في ما يعرف بـ «المعسكر الصهيوني»، بزعامة إسحق هيرتزوغ وتسيبي ليفنى، لأنهم، أي اليمينيين «.. يؤيدون بقاء القدس موحدة تحت سيادة إسرائيل، ولن يتنازلوا عن أراضي يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ولن يقوموا بإخلاء المستوطنات، وسيواجهون الضغوط الدولية الضارة بالمصالح الإسرائيلية الأمنية.. وذلك على عكس ما يزمع تحالف هيرتزوغ وليفنى القيام به..».

تقديرنا أن هذه الدفوع ليست أكثر من مزايدات انتخابية، ومحاولة مكشوفة للتشهير بالمنافسين، الذين لا يعدون الناخبين بغير ما يعد به نتنياهو ورهطه، لكنهم يأخذون بزخرف القول، ويراعون المحاذير الدبلوماسية.

وعلى سبيل إنعاش الذاكرة، نشير إلى أنه في غمرة عملية التسوية، تم تجريب القوى الإسرائيلية جميعها، بيمينها ووسطها ويسارها، بمتطرفيها ومعتدليها، بصقورها وغربانها وحمائمها، بتشكيلاتها الحكومية الليكودية والعمالية والائتلافية.. وهذا التعميم لا ينفي وجود تباينات بين شركاء العملية الانتخابية الجارية.

 

Email