أصنام العراق.. وحجاب أبو الهول!

ت + ت - الحجم الطبيعي

استكمالاً لحديث المصالحة المرفوضة مع الإخوان والجماعات المتطرفة المرتبطة بها، يشير ميزان الخسائر المتوقعة جراء هذه الخطوة المستبعدة، أن أخطرها سيكون على الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، ومشروعه الوطني الذي أطلق في الثلاثين من يونيو 2013.

فالإخوان إذا خرجوا للساحة السياسية مرة أخرى، وفقاً لما تطرحه بعض المبادرات، سيعرف المصريون إرهاباً وجحيماً لم يألفوه من قبل، ولا نصدق أبداً حديثهم عن المصالحة والتوبة، فقد اعتدنا، وعلى مدار عقود عديدة، أن الإخوان والجماعات المتشددة المرتبطة بهم، لا أمان ولا عهد لهم، وتظل المصالحة معهم شكلاً من أشكال الانتحار السياسي.

فكما قال عنهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فإنهم أناس مشحونون بالحقد والغل، وقد أدرك الرجل حقيقتهم، فعرف كيف يحجمهم ويروضهم ويضعهم في مكانهم المستحق، إلى أن جاء الرئيس الراحل أنور السادات، وفرضت عليه مناوراته السياسية أن يطلق سراح الإخوان والإسلاميين، ليواجه بهم الناصريين واليساريين.

وبرغم ذلك، وبحكم غدرهم المعهود، انقلبوا على الرجل الذي منحهم مساحة كبيرة للعمل بحرية، فقتلوه غيلة عام 1981، والشيء الغريب، أنهم، وبعد هذه الجريمة النكراء، ومن داخل السجون، أعلنوا ندمهم وتوبتهم عما فعلوا في ما سمي وقتها بالمراجعات الفكرية للجماعات التكفيرية.

ولكنهم، وبمجرد خروجهم من السجون ومعانقتهم الحياة وتمتعهم بالحقبة الإخوانية، عادوا إلى سيرتهم الأولى، رافعين لواء التطرف والتشدد مجدداً، واتضح ذلك خلال ممارساتهم وأحاديثهم ومواقفهم في السنة الكئيبة لحكم الإخوان، ويعني ذلك أن الحديث الجاري عن مراجعات جديدة للإخوان واستعدادات لإعلان توبتهم، هو قول أجوف، يعيد مؤامرات ومناورات الخداع مرة أخرى، والمؤمن الحق لا يلدغ من الإخوان مرتين.

فالتطرف صفة أصيلة فيهم، وسيظل ملازماً لهم إلى أبد الآبدين، وكلما سنحت لهم الفرصة للعمل السياسي أو الانفراد بالسلطة، وهذا ما يجعل الظروف الراهنة فرصة تاريخية للخلاص من الإخوان جماعة وتنظيماً وفكراً، وكذلك الجماعات المرتبطة بهم حتى تستقيم الأمور السياسية والأمنية، وتتخلص البلاد من قنابل موقوتة تهدد بالانفجار في أي لحظة.

وقد صدق السادات عندما قال كلمته الشهيرة أمام البرلمان المصري، بعدما وصل الصدام بينه وبينهم إلى ذروته قبل أغتياله بأشهر قليلة: «لا يوجد شيء اسمه إخوان وجماعات إسلامية، لا فرق.. كلهم واحد». وقد بدا ذلك واضحاً جداً عندما تبنى الرئيس المعزول محمد مرسي الجماعات المتطرفة والمتشددة، وأطلق سراح قادتهم من السجون، وبينهم قتلة وإرهابيون عتاة.

ليس هذا فحسب، ولكنه ترك لهم الساحة لترويع المصريين، فحاصروا المحكمة الدستورية العليا، ومنعوا انعقادها للحيلولة دون إصدار قرارات تتعارض مع مصالحهم، وحاصروا مدينة الإنتاج الإعلامي التي يفترض أنها رمز للفكر المستنير، بينما ترك قنواته الفضائية المتشددة تشيع خطاباً رجعياً متطرفاً، وشكلوا ميلشيات صريحة تحت مسمى «حازمون»، لانتمائهم لجماعة السلفي المتطرف حازم أبو إسماعيل، التي كلفت بالعمليات القذرة لحساب مرسي وجماعته.

فكانت أقرب ما تكون للذراع العسكرية للإخوان، وهي التي هاجمت المتظاهرين السلميين عند قصر الاتحادية، وهاجمت مقر وزارة الدفاع المصرية، وكذلك اعتدت بشكل همجي على مقر الكاتدرائية القبطية في العباسية، في أول وأخطر تهديد من نوعه ضد الوحدة الوطنية المصرية.

ولعلنا نتذكر بتعجب شديد، تلك الحملة المريعة لأخونة الأزهر الشريف وإثارة اضطرابات ومشاغبات مضحكة في وجه شيخ الأزهر ورئيس جامعة الأزهر، بسبب ما أشيع حول تسمم بعض طلاب المدينة الجامعية بوجبة «تونة»! ولكن لأن «الطبخة» الإخوانية لم تكن متقنة، فقد خاب سعيهم عبر تلك البوابة.

ومرة أخرى، حاولوا فرض «أسلمة» كاذبة على المجتمع المصري، من خلال ظهور جماعات مدعية تطلق على نفسها «جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، والترويج لجماعات جهادية تتولى الأمن بصلاحيات أمنية وقضائية كاملة.

فشرعت في تنفيذ ذلك باستعراض مخيف في مدينة المنيا بالصعيد، لطليعة قوات تلك اللجان، وارتبط بهذا النهج المتشدد أيضاً، الدعوة لما سمي بالسياحة الإسلامية، ولم يتردد بعضهم في انتهاز الفرصة، ولو على سبيل النفعية، فأعلن عن بناء منتجع في شرم الشيخ يلتزم بالشريعة الإسلامية.

واليوم، ونحن نشاهد ما يحدث من جانب «داعش» تجاه الآثار التاريخية العراقية التي عاشت في سلام وبلا ضرر عبر آلاف السنين، نرى أمامنا القوى الظلامية التي يراد لها أن تسود وتهيمن على أمتنا العربية، وهي تعادي الحضارة والثقافة والفنون، إلى حد اعتبار الآثار التاريخية مجموعة من الأصنام ينبغي تدميرها. ولنتذكر ما فعلته حركة طالبان الأفغانية بتماثيل بوذا التاريخية في منطقة باميان عام 2000، حيث دمر المتطرفون تراثاً إنسانياً عمره آلاف السنين.

الشيء ذاته، كانت عجلته قد بدأت في الدوران في مصر، في ظل الإخوان، حيث حار المتشددون في شأن التعامل مع آثار وكنوز مصر النادرة، فتفتق أذهان بعضهم عن أفكار جهنمية، كهدمها والتخلص منها كلية، باعتبارها أوثاناً، بينما رأى آخرون تحنيطها بطبقة كثيفة من الشمع، وطالب أصحاب الطريق الثالث بتحجيب أبو الهول والتماثيل المشابهة له.

وطرحت هذه الأفكار بجدية، وكأنها مشكلة مصر الأولى العاجلة والملحة، ولو شاءت الظروف واستمر الإخوان وصحبتهم في الحكم، ولولا ثورة الشعب في الثلاثين من يونيو، لواجهت آثار مصر نفس مصير الآثار العراقية البريئة من كل كفر.

ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة

 

Email