تأثير خطاب نتنياهو في الكونغرس

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل الأكثر دقة في التعبير عن الأثر الذي تركه خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي كان المقال الذي كتبه الكاتب الصحفي إي جي دايون في صحيفة الواشنطن بوست بعنوان "الجرح الذي تركه نتنياهو".

ورغم أن عنوان المقال مقتبس حرفيا من تصريح لإسحق هرتزوج، المنافس لنتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، إلا أن أهمية المقال تنبع من مصادر أخرى. فإي جي دايون واحد من ألمع كتاب الرأي في الولايات المتحدة وهو حاصل على الدكتوراه في علم الاجتماع وله كتب عديدة.

لكن دايون، لمن يتابع كتبه ومقالاته نادرا ما يكتب في السياسة الخارجية. فهو يكتب بالأساس عن السياسة الداخلية الأميركية وله في ذلك رؤية ثاقبة لا يمكن لمتخصص في الشأن الأميركي أن يتجاهلها. ومن هنا، يأتي مغزى المقال.

فالكاتب، صاحب الرؤية فيما يخص النظام السياسي في بلده، اختار أن يقتبس تعبير "الجرح" على وجه التحديد لوصف ما جرى للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، نتيجة إصرار نتنياهو على إلقاء كلمة في جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس تعارض علنا مضي إدارة أوباما قدما في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي في إطار مجموعة (الخمسة 1).

وقد ذهب نتنياهو لأميركا لإلقاء الخطاب بناء على دعوة رئيس مجلس النواب "الجمهوري" دون إخطار الرئيس "الديمقراطي" ولا وزارة الخارجية. وهي الدعوة التي رتب لها رئيس مجلس النواب مع السفير الإسرائيلي لدى واشنطن دون حتى إخطار زعماء الأقلية الديمقراطية في الكونغرس.

ورغم نداءات كثيرة من ديمقراطيين بل ويهود في الكونغرس لنتنياهو بعدم إلقاء الخطاب، أو حتى تغيير مكان إلقائه، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أصر على موقفه، مؤكدا أن القضية تتعلق "بتهديد وجودي" لإسرائيل. قائلا إنه ذاهب "للضغط" على "المؤسسة الوحيدة التي بمقدورها وقف الاتفاق" مع إيران.

وقد اعتبر دايون أن ما فعله نتنياهو "مستفزا" ويمثل "تدخلاً" في السياسة الأميركية، قائلا إن إقدام جون بينر، رئيس مجلس النواب "غير المسبوق على دعوة زعيم دولة أخرى لانتقاد رئيسنا وقرار نتنياهو بالقبول يهدد بإلحاق الضرر بالائتلاف عبر الحزبي وعبر الأيديولوجي الذي طالما وقف داعما لبقاء إسرائيل".

والحقيقة أن من يعرف تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وتابع ما جرى في الأسابيع القليلة منذ الإعلان عن الدعوة وحتى اليوم يدرك مدى دقة ما قاله دايون.

فإسرائيل ظلت بالفعل فوق الخلافات الحزبية وفوق الاختلافات الأيديولوجية في الولايات المتحدة الأميركية. فكانت القاعدة أن تجد في الولايات المتحدة مؤيدين لإسرائيل في كافة التيارات السياسية. وظل ذلك التأييد العابر للأحزاب والأيديولوجيات يعتبر من أهم نجاحات لوبي إسرائيل في واشنطن.

فرغم أن أغلبية اليهود الأميركيين يعطون أصواتهم للحزب الديمقراطي وبنسبة مرتفعة تصل إلى 75% إلا أن لوبي إسرائيل ظل دوما حريصا على تمويل الحملات الانتخابية لمرشحي الحزبين، لا فقط لمرشحي الحزب الديمقراطي، وكان حريصا على التواصل المستمر مع المسؤولين السياسيين من الحزبين من أجل مصالح إسرائيل.

ورغم أن الخلافات كانت تدب بين إسرائيل والولايات المتحدة أحيانا حين يتولى اليمين المسؤولية في أحدهما بينما يتولاها اليسار في الأخرى، إلا أن إسرائيل ظلت حريصة طوال الوقت على عدم خروج ذلك الصراع عن حدوده الدنيا.

بل أكثر من ذلك، كان هناك حرص شديد من إسرائيل ومن لوبي إسرائيل في واشنطن على أن يظل أي خلاف بين البلدين داخل الغرف المغلقة بل وعلى محاصرة أخباره بسرعة إذا ما تسربت للإعلام. وفوق هذا وذاك، كان المسؤولون الإسرائيليون حريصون تماما على الحديث علنا عن فضل أميركا على إسرائيل.

كل ما تقدم حدث له تحول في الفترة الأخيرة، بدءا من الانحياز الإسرائيلي العلني للجمهوريين ضد الرئيس الديمقراطي ومرورا بموقف لوبي إسرائيل الذي صار أكثر يمينية من أي وقت مضى وضلوعه في الوقوف علنا ضد الرئيس، وحتى بالنسبة للعلنية التي يحدث بها كل ذلك.

أما الاعتراف بفضل أميركا، فرغم أن نتنياهو يحرص عليه لفظيا، إلا أن تلك ليست المرة الأولى التي يذهب فيها نتنياهو لواشنطن لإعطاء محاضرة للمسؤولين الأميركيين عن كيفية إدارة سياستهم الخارجية.

فهو في عام 2011 أعطى لأوباما علنا أمام كاميرات العالم محاضرة في البيت الأبيض لمدة 7 دقائق حول القضية الفلسطينية. كل ما في الأمر هذه المرة، هو أنه اختار المؤسسة التشريعية الأميركية لتعم فائدة المحاضرة على كل المسؤولين الأميركيين!.

 نانسي بيلوزي، زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب تحدثت عن "إهانته لذكاء" الولايات المتحدة "وتعاليه" الذي قالت إنه يعطي الانطباع بأن الأميركيين يعجزون عن "فهم التهديد الذي تمثله إيران". وقد تكون تلك هي المرة الأولى فعلا، كما يقول دايون، التي يقدم فيها رئيس مجلس النواب الأميركي على دعوة مسؤول أجنبي لانتقاد رئيس أميركا.

 

Email