وسائل التواصل الاجتماعي والأمن المعلوماتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما أن لأشكال الاتصال سواء التقليدي والجديد أوجهاً إيجابية، من حيث تسريع وتيسير وتيرة التواصل بين الناس متخطية العقبات، بحيث أصبح الاتصال بين الناس من السهولة بمكان، فإن هناك إشكاليات ما زال يفرضها استخدام الأشكال الجديدة من الاتصال تتجاوز المقارنة بينها وبين وسائل الإعلام التقليدية ونطاق تأثير كل منهما.

وأمن المعلومات يعني توفير الحماية لها من المخاطر التي تهددها أو الاعتداء عليها، وذلك من خلال توفير الأدوات والوسائل اللازمة لحماية المعلومات من المخاطر الداخلية أو الخارجية، وهي المعايير والإجراءات المتخذة لمنع وصول المعلومات إلى أيدي أشخاص غير مخولين عبر الاتصالات ولضمان أصالة وصحة هذه الاتصالات.

وفي تقديري أن الأمن المعلوماتي يشمل اتجاهات عدة، منها القدرة على الحفاظ على سرية المعلومات التي قد يضر نشرها بالأمن الوطني للدولة الذي يتعلق بإدارتها لملفاتها السياسية، ففي علم السياسية هناك جانب من سياسة الدول معلن وجانب غير معلن، إلى أن يحين الوقت والسياق المناسب لذلك، كما أنه يعني مدى صحة المعلومة التي يتم تداولها بين مستخدمي تلك الوسائل وروادها والتي تنتشر بينهم بسرعة مذهلة سواء تعلقت بحدث بسيط أو قضية عامة.

ومن الجوانب المهمة الحفاظ على خصوصية الأفراد واحترامها وعدم انتهاكها، وبخاصة أنها تؤثر في السمعة التي تحتاج إلى جهد كبير في ترميمها، بعد أن يلحق بها التشوية والأذى، كما أن هناك الجرائم الخاصة بانتهاك البيانات الشخصية الإلكترونية للمؤسسات التي لا تقل عن جرائم السطو المادية وإن اختلف الشكل والأسلوب.

إن كثيراً من المواجهات، سواء على المستوى المجتمعي أو على المستوى الدولي، قد تحولت من ساحات المواجهة المباشرة إلى ساحات المواجهة عبر شبكات التواصل والإعلام الجديد، واستبدلت بالأسلحة المادية قذائف معلوماتية غير معلومة المصدر أو الهوية غير أنها مؤثرة.

وإذا كان من واجب الدولة توفير بيئة مادية آمنة للفرد يستطيع أن يأمن فيها على نفسه وماله وأسرته، فلا يجب أن تقف الدول مكتوفة الأيدي أمام ما يتعرض له الفرد والمجتمع من اعتداء على فكره وعقله عن طريق التغرير والتضليل به لأهداف معروفة أو غير معروفة، في إطار ما يمكن تسميته بالجرائم المعلوماتية التي غالباً ما تستهدف التأثير في السمعة وتشويه الصورة، أو للحصول على مال من خلال المساومات التي تتم مع المتضررين، كما اتخذت هذه الجرائم أشكالاً متعددة، منها الدخول على مواقع المؤسسات والشركات وتعطيلها.

وهو ما يتسبب في خسائر مادية قد تفوق الحرائق، فضلاً عن تأثيراتها في المتعاملين معها، وخاصة أن الجرائم المتعلقة بسرقة المعلومات أو تلفيقها تحدث حالة من انعدام الثقة وعدم اليقين التي تجعل الفرد عرضة للتأثير فيه بسهولة، وبخاصة أنه حين يكون هناك غموض في حدث أو موقف ما يكون الفرد في حاجة إلى من يفسره لكي تنتهي حالة التوتر لديه، وهنا قد يتأثر بسهولة بالمعلومة دون أن يمعن النظر في مدى صحتها.

وهنا أود أن أشير إلى أن جزءاً كبيراً من حالة التشويش المعلوماتي يرجع إلى تعنت بعض المؤسسات في التعامل مع الصحفيين الذين ينتمون إلى المؤسسات الإعلامية التقليدية، وحجب بعض من المعلومات، وإتاحة معلومات لا تغني ولا تسمن، والتعامل مع الكثير من القضايا من منطلق بروتوكولي، لذا فعندما تعز وتندر المعلومة في الميدان الإعلامي الرسمي ينشط سوق المعلومات المفبركة أو المجتزأة أو المغلوطة.

إضافة إلى ذلك فإن تصعيب مهمة الإعلامي الرسمي يسهل من مهمة الدخلاء على مجال الإعلام، وهو ما اتفق على تسميته «بالمواطن الصحفي»، والذين أصبحوا مصدراً من مصادر المعلومة، وأصبح لهم عدد لا بأس به من المتابعين - وإن كانوا في تناقص - وهؤلاء يقومون بدورهم بنشر ما يتلقونه في سلسلة لها بداية وليس لها نهاية إلا مزيداً من التضليل والتعمية للرأي العام محلياً ودولياً.

إن فتح باب المعلومة أمام المؤسسات الإعلامية الرسمية هو إحدى سبل الحفاظ على الأمن المعلوماتي الذي يعني التحقق من صحة المعلومة التي تصل إلى المواطن، وبخاصة أنها جهات معلومة يمكن التحقق من مصادرها، وكذلك يمكن من خلالها ممارسة حق الرد والتصحيح والمحاسبة أمام القضاء حين يكون ما تم نشره غير صحيح، أما في المجتمعات الافتراضية لوسائل التواصل الاجتماعي، فمن الصعوبة بمكان أن يتم ذلك في ظل وجود أسماء مستعارة أو شخصيات وهمية أو جهات لها أهداف خاصة.

وفي ظل صعوبة الرقابة على تلك الشبكات ومحدوديتها، تبقى الرقابة الذاتية والأخلاقية التي تنشأ مع الفرد منذ صغره، والضمير اليقظ الذي يعصمه من الانزلاق ويأطر استخدامه للمعلومة، سواء بالتلقي أو النشر بإطار أخلاقي يحفظ للحياة الخاصة حرمتها وللوطن أمنه واستقراره، ووفقاً لتقرير شركتا «آكتف» و«هوت واير» عن الاتجاهات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط، فإنه ينبغي إضافة تعليم شبكات التواصل الاجتماعي للمناهج الدراسية، وأن يتناغم دور الأسرة مع دور المدرسة.

 

 

Email