الانتخابات الإسرائيلية وهوية الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مضي ما يقرب من السبعة والستين عاماً على إعلان قيام إسرائيل، لا تزال قضية هوية الدولة الإسرائيلية مثارة في أوساط اليمين القومي والديني المحافظ في إسرائيل على نحو خاص، الذي يرى أن النظام السياسي والدستوري للدولة الإسرائيلية يسمح لبعض المؤسسات القضائية كالمحكمة العليا الإسرائيلية بصلاحيات تأويل القوانين سواء منها القوانين العادية أو القوانين الأساس التي تمثل دستور الدولة بطريقة ليبرالية، تعزز جزئياً قيم المساواة والمواطنة.

ويرى اليمين القومي والديني المحافظ في إسرائيل أن الصيغة الأساسية التي حكمت الممارسة السياسية والقانونية والدستورية في إسرائيل حتى الآن، وهي معادلة الدولة اليهودية الديمقراطية، لم تعد كافية كأساس لتحديد هوية الدولة ومواجهة الأوضاع المستجدة وتأكيد طابعها اليهودي.

وقد عبرت قوى اليمين الإسرائيلي بوضوح عن هذا الصراع، عبر تعديلات عنصرية أقرتها في عام 2003 لقانون المواطنة، للحد من إمكان منح أزواج وزوجات المواطنين العرب الفلسطينيين صفة المواطنة في حال أن يكون هؤلاء من سكان الأراضي المحتلة، منذ عام 1967.

تنبع أهمية مشروع قانون الدولة القومية في فكر اليمين من عوامل داخلية وخارجية، ويمثل هذا المشروع استجابة بمستوى هذه التحديات التي تفرض نفسها على المشهد الحالي؛ على الصعيد الداخلي يعتبر هذا المشروع إنهاء للصراع القائم في إسرائيل بين قوى يمينية وقومية ودينية ترى ضرورة تأكيد يهودية الدولة بكافة جوانبه عبر ترسيخ القيم والمعتقدات الدينية، وبين قوى مدنية وقومية وليبرالية تنظر ليهودية الدولة من خلال منظور ثقافي وتاريخي.

وهذا الصراع القائم بين القوى والتيارات السياسية يناظره صراع مؤسساتي في الجهاز التشريعي للدولة بين التأويلات الليبرالية للقوانين وبين التأويلات المحافظة، ومن ثم يستهدف مشروع هذا القانون إدراج يهودية الدولة ضمن قوانين أساس التي تمثل دستور الدولة للحد من تأثير التأويلات الليبرالية.

أما على الصعيد الخارجي فإن مشروع قانون الدولة القومية يستهدف استباق أي اتفاق فلسطيني أو إسرائيلي يستند إلى القرارات الدولية للأمم المتحدة وضرورة أن تأخذ إسرائيل بزمام المبادأة، لتحديد طبيعة الاعتراف الفلسطيني بها وحدوده، أي الاعتراف بيهودية الدولة، وشطب قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والأهم من ذلك يبدو انتزاع الاعتراف من قبل الفلسطينيين بهزيمتهم والاعتراف بأن اليهود يمتلكون حصرياً تلك الأراضي التي أقاموا فيها دولتهم هو الهدف الأول لمشروع القانون.

بعبارة أخرى يحاول اليمين الإسرائيلي أن يجبر الفلسطينيين على تبني الرواية الصهيونية للتاريخ والوقائع وتجاهل الرواية الفلسطينية والعربية وطمس الذاكرة التاريخية للشعب الفلسطيني التي تمحورت حولها الهوية والكينونة الفلسطينية.

إن تحقيق هذه الأهداف من وجهة النظر اليمينية والدينية قد يفوق في أهميته تقنين يهودية الدولة، حيث تشهد الوقائع والخطابات السياسية وبرامج الأحزاب، إن من اليمين أو اليسار أو التيار الديني الصهيوني، بأن إسرائيل دولة الشعب اليهودي وفق أنبياء التوراة والرؤى الدينية، وسارت الممارسات والسياسات والقوانين في اتجاه تغليب الطابع اليهودي للدولة والتمييز ضد مواطني الدولة من غير اليهود، فيهودية الدولة إن من حيث السياسات والبرامج والخطاب والوثائق والممارسات هي تحصيل حاصل لا حاجة للتأكيد عليها، بل قد يفقدها هذا التأكيد المتعمد والمقنن بعض فاعليتها وتأثيرها.

ويفتح الباب لانتقادات داخلية وخارجية تبدو إسرائيل في غنى عنها الآن، ولم تنجح المعادلة السياسية والدستورية الراهنة في إسرائيل ومنذ نشأتها في عرقلة وتجريم وتأثيم التمييز الذي يمارس ضد الأقلية العربية ربما باستثناءات بسيطة على ضوء أحكام المحكمة العليا الإسرائيلية، حيث تستبطن كافة التيارات السياسية الصهيونية والصهيونية الدينية عدم المساواة بين اليهود وغيرهم من المواطنين العرب والاعتقاد في تفوق اليهود ودونية الآخرين من مواطني الدولة الإسرائيلية.

من المتوقع وفق استطلاعات الرأي فوز اليمين القومي والديني رغم المشكلات الراهنة والاستياء والملل من قيادة نتنياهو، وفي حال تحقق ذلك في هذه الانتخابات فإن الطريق قد يكون مفتوحاً لإعادة طرح مشروع الدولة القومية لإغلاق طريق السلام والمفاوضات وإيجاد مشكلات جديدة وكأن المشكلات القائمة في طريق عملية السلام غير كافية.

 

Email