المصالحة المرفوضة مع الإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال حملته الانتخابية منتصف العام الماضي لا تزال ماثلة أمامنا وراكزة في عقولنا، ولعل أهم ما قاله آنذاك: إنه لن يكون هناك وجود للإخوان في ظل حكمه للبلاد، والمعنى واضح بكل تأكيد ولا لبس أوغموض فيه، وأغلب الظن أن السيسي عندما أطلق هذا التصريح في أكثر من مناسبة كان صادقاً بتأكيده على أن زمن الإخوان قد ولّى بالفعل أو أنه في طريقه للزوال.

أسباب موضوعية وسياسية عديدة تدفعنا إلى التأكيد من جانبنا على أن السيسي لم يكن مناوراً ولا مبالغاً عندما أطلق هذه الصيحة في طريقه إلى كرسي الرئاسة، الأسباب ذاتها هي التي تمثل أساساً قوياً للاعتقاد في أن الرئيس المصري لن يتنازل ولن يتراجع في موقفه المبدئي إزاء هذا الحديث الملتهب على الساحة المصرية، ويجد امتداداً له خارج الحدود عن مبادرات جادة وجديدة للمصالحة مع الإخوان على أساس العفو عنهم ودمجهم في الحياة السياسية مجدداً.

على رأس هذه الأسباب أن الشعب المصري جرب وعاش سنة من الجحيم في ظل حكم الإخوان، سرقت خلالها ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتم أخونة الدولة ومؤسساتها الكبرى ومناصبها العليا وفقد كرسي الرئاسة هيبته وقيمته مع هذا التفسخ، الذي رأيناه يمارس على قمة هرم السلطة.

انقسمت مصر بشدة على أسس طائفية ومذهبية وضرب الشقاق الدولة حتى على مستوى الأسرة الواحدة شخصية مصر، التي اتسم بها الشعب تم مسخها إلى حد دهشة الغالبية العظمى من المصريين لسرقة روحهم المألوفة، فضلاً عن أزمات طاحنة ومتتالية عاشها المصريون من دون حلول وهم يسمعون تفسيرات غريبة لها، ما أنزل الله بها من سلطان مع غياب الرؤية المتكاملة لإدارة شؤون الدولة ونقلها بشكل أفضل للأمام.

ومع تفاعل كل هذه العوامل وصلت مصر إلى درجة الغليان ولولا خروج عشرات الملايين في مسيرات وتظاهرات حاشدة يوم الثلاثين من يونيو 2013 دفاعاً عن مصر، التي عرفوها لربما سارت البلاد نحو مصير محتوم من الفوضى الشاملة، وكان الشعب على موعد مع قائده عبد الفتاح السيسي، وكلاهما كان على موعد مع القدر في إنقاذ البلاد فكانت خريطة الطريق يوم الثالث من يوليو لتخليص البلاد من حكم الإخوان.

ولن ينسى الشعب لهم مطلقاً ذلك الخطاب المتطرف الذي صدر عنهم وأعطى الفرصة لمزيد من الجماعات المتشددة للسيطرة على الساحة السياسية والثقافية والإعلامية ورأينا وسمعنا منهم العجب العجاب، ولن ينسى لهم الشعب ما حدث في اعتصامات رابعة العدوية وميدان نهضة مصر وتلك الممارسات اللاإنسانية.

وجعلت منها إضرابات واعتصامات غير سلمية وتكفي المنصة شاهداً عندما اعتلاها العريان والبلتاجي وحجازي والزمر وبديع وعبد الماجد وسمعنا منهم خطاباً ربما يضاهي ما نسمعه من أساطين داعش هذه الأيام.

كيف ينسى الشعب المصري تلك الأعمال الإرهابية، التي صاحبت إنهاء الأوضاع المزرية في رابعة والنهضة وحملات التخريب والحرق والتفجير والقتل وتعطيل المصالح والجامعات وقطع الطرق وخلع خطوط السكك الحديدية وإشعال النيران في القطارات ووسائل النقل العام وسيارات الشرطة واستهداف رجالها وعناصر الجيش، خلال أدائهم أشرف مهمة للوطن.

كل تلك الأعمال اندفع فيها الإخوان فور عزلهم من الحكم، وكان أولى بهم أن يصححوا من أخطائهم ويصوبوا مسارهم ويعدلوا أفكارهم وسياساتهم حتى يطلوا على الشعب بوجه حضاري جديد بدلاً من فتح جحيم الإرهاب على الأبرياء وتعطيل مسيرة الدولة والحيلولة دون انطلاقها لآفاق أرحب وأكثر تقدماً؟!

كل هذه الأشياء تجعل من حديث المصالحة بين الإخوان والدولة المصرية ضرباً من المستحيل.

ببساطة شديدة لو تحقق شيء من هذا- وهو أمر مستبعد بالكلية- فالمعنى الأكيد أوالنتيجة المحتومة تعني انهيار مشروع 30 يونيو وغرق الدولة المصرية في تعقيدات جديدة، بينما هناك مؤشرات كثيرة تؤكد أن البلاد تستعيد عافيتها، وأن الأمن تحسن بطفرات هائلة وعجلة الإنتاج بدأت في الدوران وحالة الاستقطاب تراجعت بشدة والوحدة الوطنية في أقوى صورها بعد تراجع الانقسامات الطائفية المذهبية والسياسية.

وأيضاً بعد حصول مشروع 30يونيو وزعيمه على اعتراف إقليمي ودولي تجلى في مشاهد عديدة أبرزها زيارات السيسي ومباحثاته في العواصم العربية والعالمية الكبرى وإبرام صفقات تسلح لم تعرف مصر لها مثيلاً حتى في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

أضف إلى ذلك أن كل الشواهد تؤكد أن غالبية طاغية من أبناء الشعب المصري بالفعل تلفظ الإخوان، وتتمنى لو شطبت سنة حكمهم بكل سوءاتها من سجلات التاريخ المصري، وباتت الغالبية ذاتها ترفض رفضاً مطلقاً ليس فقط عودتهم للسلطة، ولكن أيضاً إطلالاتهم على الساحة السياسية.

أغلب الظن أن قائد مشروع الثلاثين من يونيو ومعه شعبية طاغية وأغلبية كبيرة من مواطني مصر لن يضحي بسهولة بكل ما تحقق- بتضحيات وصعوبات كبيرة وغالية- مهما كانت الضغوط الداخلية والخارجية، فخسائر المصالحة مع الإخوان ستكون جسيمة.

 

Email