نافذة للسعادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

للسعادة دائماً ممر عبور، دائماً، حتى في المنحنيات الإجبارية، هناك طريق سالك، بعمق القلب. صادفت امرأة في أوائل العقد الثالث من عمرها، تُطعم ابنتها الصغيرة، وبجانبها طفلها الصغير في السابعة من عمره تقريباً، يلهو ويلعب ويتمتم بعبارات غير مفهومة، وحين التفت، فإذا بملامح مزيجة بين البشر وغير البشر، مؤلمة، ولكنها عندما خاطبتني كانت تبتسم!

بعمق واحة قلبها وامتداد صحراء ألمها أمام عينيها، كانت «تبتسم».

حين أخرج من المنزل، هو أول من يقابلني عند ناصية الشارع، حاملاً بيده «السيدة مكنسة» رفيقة الدرب وعربون النظافة، عامل النظافة هذا تجده منذ الصباح الباكر يجمع مخلفات عُمال الوساخة، أحياناً شاب في مقتبل العمر، وأحياناً في منتصفه، وأكثرها قسوة حين تُلهب الشمس خريفه.

يجمع القمامة، وربما يجمع معها آلامه وذكرياته، تقدح شرارة الصيف رأسه، ويكمش الشتاء عظامه، ومع ذلك يبتسم. خادمتنا، على قدر حنينها وشوقها لابنها ذي الخمسة أعوام، وقلقها على ابنها الكبير ذي الـ19 عاماً، وابنتها التي تعمل أيضا خادمة، والتي اشترط عليها مخدوموها حال قدومها للعمل عندهم أن لا تصلي، وإن حدث فسوف يتم الاستقطاع من راتبها الشهري بشرطهم الجزائي، إلا أنني حين أناديها تختزل شريط حياتها مقبلة علي بابتسامة.

برغم كل الظروف ومن بين ركام الحياة، هناك نبتة تشق طريقها إلى القلب، تلك هي الابتسامة. ليتنا نستطيع محو مشكلات البشر، أو مسح سطر من فهارس همومهم وأحزانهم بضغطة زر، ولكن هي الحياة، وسنة الله وحكمته في خلقه، لن نستطيع منع تكدير صفحة الماء الصافية إن أصابها حجر مهما بلغ صغره، وإنما نستطيع أن نمنع أنفسنا من الاسترسال في تلقي موجات الارتداد.

في تاريخنا الإسلامي فُتِحت القلوب قبل الدور، بأخلاق سيد الخلق وأعظمهم، كان يوصي أصحابه بطلاقة الوجه: «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، فهو صلوات ربي وسلامه عليه أكثر الناس تبسماً، وهو من لقي ما لقي لنشر دعوة التوحيد والسعادة. الابتسامة الطيبة النابعة من القلب تبعث الطمأنينة والراحة النفسية، وليست تلك التي تُرْسَم نفاقاً على وجه صاحبها، لأنها سرعان ما ستنطفئ بانطفاء أضواء المسرح.

الابتسامة تخدم صاحبها، لأنها بالتدريج تسلكه لطريق ينير عوالم قلبه، بعد أن ضلّه بعبوس وجهه وقمطرير جبينه.

الابتسامة الصافية النقية ستبحث عنك، بعد أن اخترت إدمانها، فاعتادت عليك، فكافأتك بشق طريق السعادة على صفحة مُحيّاك.

ابتسم لتجعل غيرك يبتسم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. لن تستطيع أن تقنع أحبابك أمامك أنك فعلاً بخير كما يتمنون إن لم تنفرج أساريك بابتسامة تطمئنهم عليك بأنك ما زلت على ما يرام.

لن تستطيع رسم الفرح على وجه أبنائك إن لم تضئ قلبك قبل وجهك. لن تستطيع أن تُقنع أهل الملل من غير المسلمين حولك بأن دينك العظيم هو دين محبة وتسامح وسعادة وخير ونماء ونور وجلاء هموم إن لم تكن أنت وحدك عنواناً له. لن يصدقوك، سينفرون من دين تعرفوا إليه عن طريق شاشات أجهزة لا تنقل إلا الذبح والدموع والقهر والشتات، لآفات كذبت على الله ولبست ثوب الدين زوراً وبهتاناً. لا توجد قلوب خالية من الهموم، هناك الحزين والمظلوم والبائس والفقير، لن تنتهي المفردات، ولكن هناك قلوباً تثق بالله وتدعوه وتبتسم.

الابتسامة نافذة تطل على روض السعادة، فابتسم..

Email