وداعاً للحواجز بين الشعوب والحكومات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يختلف اثنان على أن وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت بكفاءة تحطيم الكثير من الجدر والحواجز بين الثقافات والجغرافيات والأفكار، وفي المجتمع الواحد استطاعت بجدارة دخول الأبواب الموصدة بين مؤسسات الدولة والشعوب، بل حتى إزالتها، ولم تعد الشكوى تحتاج زمناً وتتيه في إجراءات وتبحث عن ظروف مواتية لتصل إلى مكتب المسؤول، ثم تنتظر حظها أن تقرأ أو لا تقرأ..

بل أصبح الأمر لا يكلف الشاكي سوى الجلوس أمام لوحة المفاتيح والنقر بأحرف شكواه لتظهر أمام المسؤول في صفحته التواصلية أو نافذة مؤسسته أو وزارته ولا مناص من سرعة الرد والاستجابة لأن الكل يرى ويسمع. حالة إيجابية بلا شك إن تم استثمارها بوجهها الصحيح ودخول البيوت من أبوابها..

والتحرك بهاجس الإصلاح الحقيقي والبحث عن الأفضل لمصلحة الجميع وخير الجميع، وهو أمر لا بد أن تتفاعل معه الحكومات بالشكل الإيجابي المطرد لأنها تسابق الزمن، بل تسابق الفضاء الإلكتروني، ولا بد أن تكون أذكى منه.

هذا ما تنبهت إليه منذ زمن ليس بالقصير حكومة دولة الإمارات ببصيرة نافذة، ورؤية ثاقبة، وتفاعلت مع هذه النظرة كافة إمارات الدولة، لتقدم نفسها لشعوبها وللعالم أجمع مؤسسات شفافة ذكية حريصة على مد يد التواصل إلى الجمهور وتفعيل مبدأ الاتصال الحكومي على أكمل وجه.

قبل أيام شهدت إمارة الشارقة نشاطاً في الاتصال الحكومي، افتتح فعالياته صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو يدخل دورته الرابعة تحت شعار «خطوات محددة.. نتائج أفضل»، بمشاركة أكثر من 40 قيادياً إقليمياً وعالمياً من رؤساء دول وحكومات وخبراء حكوميين وإعلاميين، وبحضور أكثر من 2500 من القيادات المحلية والإقليمية والخبراء وطلبة الاتصال من مختلف جامعات ومعاهد الدولة.

ولا شك في أن هذا المنتدى له من الخصوصية بحيث يمكن وصفه بالمهم والعاجل بل والطارئ، نظراً لما تشهده العلاقات بين الحكومات والشعوب من حولنا من مطبات واهتزازات، واختلاط لغة الحوار بين الجهتين حتى لم تعد تفهم المطالب ولا تترجم المسؤوليات إلى وقائع، وهنا ينبري المنتدى في شارقة الإمارات محاولاً استشراف مستقبل الاتصال الحكومي محلياً ودولياً، للوصول إلى رؤية حكومات أكثر تواصلاً واستجابةً مع الجمهور.

وهنا لا بد منا لقول إن زمن خوف الحكومات من شعوبها قد ولّى، ليحل مكانه زمن العلاقات التكاملية الوثيقة ضمن إطار من الشفافية المطلقة، والتشاور البناء حول جميع القضايا التي تهم الرأي العام محلياً وخارجياً، من منطلق المسؤولية المشتركة بين الجانبين والعمل الجاد الحقيقي لمصلحة الوطن، لا سيما ونحن نرى قضايا الرأي العام لم تعد طي الكتمان، بل أصبحت مطروحة كالخبز اليومي على مائدة نقاشات الشعوب..

ولا بد أن تتم مواكبتها حكومياً حتى لا تتسع الفجوة وتستعصي على الردم أو التجسير. وأبسط أهداف الاتصال الحكومي كما ينادي به القائمون على إدارته هو الحوار الغني والبناء والتفاعل حول القضايا الراهنة بين مختلف الأطراف في الدولة وبمختلف مستوياتهم وفئاتهم، من منظور صادق بأن المواطن شريك في التنمية، وركيزة في القضاء على التحديات وتجاوز مختلف الأزمات.

وعلى الضفة الأخرى فالجمهور مطالب أكثر من أي وقت مضى برفع منسوب الوعي والنضج المجتمعي والتفكير المؤسسي لديه، والنظر من زاوية الحرص الاجتماعي والتقليل من النظرة الشخصية القاصرة، لأن المشكلات الكبيرة المؤثرة لم تعد محدودة بل يشترك في صنعها الكثير من الأطراف ولا بد أن يشترك في حلها أيضاً جميع الأطراف.

نموذج الشارقة يستحق الإشادة والتقدير وتعميم التجربة محلياً وإقليمياً ودخول عالم انعدام الحدود بين المسؤول والمواطن.

 

Email