الابتكار إكسير الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الابتكار هو أن تكون أو لا تكون».. هذا هو باختصار شديد محور الرسالة الإنسانية الفلسفية العميقة التي صاغها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في مقاله الذي ملأ الدنيا متابعة وتحليلاً «الدول بين الابتكار أو الاندثار».

فمسألة خوض غمار الإبداع والابتكار عند سموه ليست ترفاً حضارياً تتفرغ له الشعوب والحكومات حين تكمل تأسيس بنيتها التحتية ومرافقها الخدماتية، بل هو شأن يومي ملحّ مرتبط بمعنى كون الإنسان إنساناً، مستخلفاً من قبل الله عز وجل، في خلافة الأرض، وضرورة واقعية لا مناص منها إذا أرادت الشعوب والحكومات البقاء قبل أن تطمح للتميز والظهور والمنافسة العالمية.

الابتكار مفتاح البقاء، والجمود هاوية الاندثار.. كلمات ربما نطرب لسماعها مرصوفة رشيقة لكننا قلما نعيش في جوهرها، ونسقط دلالاتها على شؤوننا اليومية من منطلق الضرورة الحياتية، ولو تفكرنا قليلاً لوجدنا أننا في الحقيقة حين نجمد على نمط حياتي ثابت خال من الابتكار حتى ولو في أبسط الأشياء فإننا نندثر شيئاً فشيئاً ونقتل أنفسنا بأيدينا.

نكرر دوماً عبارة يعرفها الصغير والكبير تقول باختصار «الروتين قاتل»، ونمررها في كثير من الأحيان دون أن نحاكمها، بل تخرج من قفص الاتهام دائماً بكفالة «ما باليد حيلة»، أو «نعيش كما يعيش الناس» ولا ندري أننا بهذه الكفالات الجائرة نموت كما يموت الكثيرون، ونندثر تحت وطأة الجمود والروتين.

يقولون في علوم الطاقة إن مجرد تغيير الأشياء المحيطة بشكل بسيط كفيل بمنحك المزيد من الطاقة الإيجابية حتى أن إعادة ترتيب أثاث المنزل يضمن شيئاً من ذلك، ويقول أطباء الأعصاب في أحدث الدراسات إن إتقان الإنسان لغة ثانية يساعد على تقوية الذهن، ويساعد على تجنب خطر الإصابة بمرض الزهايمر.

بل إن الخبراء ينصحون بأن تختار بين الحين والآخر طريقاً للذهاب والعودة إلى مكان عملك غير الذي اعتدته سابقاً لكسر روتين السير اليومي، وتنمية الخيال والإبداع برؤية أشياء جديدة لم تعتد عليها، فكيف يكون الحال حين نتبنى التغيير والابتكار منهج حياة يومياً، وضرورة لا بد منها، فلا أقل من أن تتجدد حياتنا ولا تشيخ، وتنمو قدراتنا ولا تندثر.

الأمثلة كثيرة من حياتنا اليومية البسيطة، وإبداع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، كان في تشرب هذا المبدأ الحياتي الثابت ونقله إلى العمل المؤسسي بإيمان مطلق، وثقة راسخة، بأن الحكومة كائن حي، يطرأ عليه ما يطرأ على الإنسان من النمو والتطور والمرض والتعب والنشاط والقوة والشيخوخة وربما الموت.

غير أن الفارق بين الإنسان والحكومات هو أن أجل الأول مقدر ومحتوم وليس باختياره، وأجل الحكومات، بعد مشيئة الله تعالى المطلقة، هو بأيدي أبنائها وأهلها، فهم الذي يسرعون في زوالها أو هم الذين يطيلون عمرها ويجددون شبابها، وحين تساءل سموه عن السبيل الذي يمكن من خلاله إعداد دولنا لخوض غمار المنافسة، وكيف نعد لذلك ليس الآن، ولكن بعد عقد أو اثنين من اليوم، أوجز الإجابة سموه في كلمة واحدة هي الابتكار.

وقال في تفسير ذلك: أن نعلّم أجيالنا مهارات التفكير الإبداعي ومهارات التحليل والابتكار ومهارات التواصل والتفاعل، وإلا فإننا نخاطر كوننا حكومات بأن تتأخر شعوبنا وتتأخر نهضتنا، أو بكلمة أخرى أن تشيخ دولنا.

 

Email