سوريا وألم الحضارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أربع سنوات وسوريا تتألم بجراح ودماء شعبها الصامد، أربع سنوات مرت شهد فيها الشعب السوري ما لم يشهده في تاريخه من مآس؛ تشرد الكثير من الأطفال والنساء والمسنون، وقتل أكثر من مئتي ألف من المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يريدون العيش بكرامة الإنسان.

أربع سنوات اندثرت فيها الحضارة السورية بسبب الحرب الأهلية التي عصفت ولا تزال تعصف بسوريا العروبة. فمدينة حلب العريقة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 2000 قبل الميلاد، والتي تعتبر العاصمة الاقتصادية لسوريا إلى عهدٍ قريب، شهدت أشد المعارك شراسة في هذه الحرب الأهلية.

ما بين 2011 و2014 دمرت الحرب الأهلية حضارةً بأكملها، واندثر الإرث الحضاري والموروث الثقافي لسوريا، وكأن شيئاً لم يكن.

حيث تُظْهِرُ الصور الملتقطة مدى الدمار الذي أصاب مسجد المدينة الكبير الذي كان يعتبر من أهم المآثر الأثرية في حلب، حيث هوت مئذنة السلجوقية ذات الـ 50 متراً والتي كانت تعد واحدة من أهم المباني في سوريا في العصور الوسطى، نتيجة القصف في شهر مارس 2013، كما تسبب القصف في انهيار جدار المسجد.

سوريا التي تحمل بين ضلوعها تاريخاً مجيداً، شام المجد والثقافة والتراث الأصيل، تبكي اليوم على الأطلال. سوريا ذات السيف الذي لم يغب ولم يُغمَد أبداً تنوح اليوم وترثي قلاعها وحصونها وأسوارها الضاربة في عمق التاريخ.

كل مدينة في سوريا تضم في ثناياها قصصاً وروايات، تاريخاً ثقافياً حضارياً اجتماعياً وسياحياً، حضارة انتماء وهوية ومبادئ؛ فسوريا تغنت بحضارتها على مر العصور، واليوم هي جبروت الأمل، تنهض من كبوتها في وجه الآلة، في وجه الحرب التي قتلت البشر واقتلعت الشجر والحجر واستنزفت الطاقات.

وانطلاقاً من عبق الياسمين الدمشقي من دمشق عاصمة العروبة ومتاحفها الملأى بالآثار ومواقعها الغنية بالتراث وأصالة المكونات إلى شوارعها وأروقتها القديمة والقوس الروماني القديم. كل مكان من هذه الأمكنة يترنم بخصوصيته. وبالحديث عن القدم لا ننسى الأديرة والكنائس المنفردة في تاريخها وأصالتها وحضارتها. لكل بناء حكاية.

وكلما تعمقنا في تاريخ سوريا، لمحنا ما يدل على عمق التاريخ، فمن الداخل السوري وتدمر عروس الصحراء المدينة التاريخية، إلى أوغاريت مدينة الحرف والموسيقى والحضارة، كل مكان منها يغني بحضارته. إلا أن الحرب على سوريا بلد الحضارات كانت موجهة إلى هذا التراث العربي لطمس الهوية الثقافية والحضارية والإنسانية.

الحرب على سوريا همشت ودمرت كل شي جميل فيها، ولا تزال تدمر حتى الآن من مشرقها إلى مغربها، وألوان الإرهاب فيها انتشرت إلى درجة قصوى، وتدخلات منظمات حماية الآثار باءت بالفشل.

وبسبب البراميل المتفجرة التي يقوم جيش النظام برميها على المدنيين في حلب وغيرها من المدن السورية، وبسبب الفوضى، حققت الجماعات التابعة للقاعدة مثل جبهة النصرة و«داعش» تقدماً كبيراً، ما أسهم في ازدياد المخاطر التي تتعرض لها المآثر التاريخية وكل الرموز التاريخية والميثولوجية التي تعود للعصر الإغريقي والروماني.

ومن وجهة نظر سياسية محايدة وبسرعة، فقد تركت الحرب الأهلية أضراراً بالغة في جل المدن السورية على السواء؛ لذا وجب حماية الآثار السورية وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أصبح اللون الأحمر الدموي هو لون الحضارة في سوريا بعد أن كانت مزدانة بكل ألوان قوس قزح، تسُرُّ الناظرين، وتستهوي السياح من جل بلدان العالم كي يمتعوا أنظارهم بما تزخر به الحضارة السورية، حيث وصل عدد السياح إلى 10 ملايين سنة 2010، واليوم حتى الطيور المهاجرة لا تجد لها مكاناً في سوريا الحضارة، سوريا التاريخ!

لكن شمس سوريا ستشرق من جديد، وسيعود المبعدون والمغتربون والمنفيون واللاجئون إلى وطنهم، وستُعَمّرُ سوريا بسواعد أبنائها الأحرار وأفكارهم، وبما يحملونه من إيمان بنصر سوريا.

 

Email