نعم التعليم مشروعنا القومي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في آخر مقالي السابق قلت إن في مصر طاقات عظيمة ولكنها لا تستغل كما ينبغي أن يكون الاستغلال الأمثل.

وهنا أحب أن أتذكر أن دستور 1971 أنشأ ما يسمى المجالس القومية المتخصصة وكان من بينها المجلس القومي للتعليم وكنت وقتها أصغر عضو فيه – عام 1975 – وكان في المجلس عمالقة الفكر والتعليم سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العملية وكان كل مجلس من هذه المجالس يجتمع مرة واحدة على الأقل كل شهر ويعد أحد الأعضاء أو إحدى الشعب موضوعاً للمناقشة وبعد المناقشة المستفيضة يضع المجلس ما يراه من توصيات.

وكانت تقارير المجالس تصب في رئاسة الجمهورية ثم بعد ذلك توزع على الأجهزة التنفيذية كل فيما يخصه.

وللحقيقة وللتاريخ فما أظن موضوعاً من الموضوعات التي تعني حياة هذه الشعب لم يناقش ويدرس ما أدى بي إلى أن أقول في مقال قديم مرّ عليه الآن أكثر من ثلاثين عاماً «المجالس المتخصصة هي عقل مصر الكبير».

ولكن للأسف المرّ فإن هذا «العقل الكبير» ظل معطلاً لم يقدر لمصر أن تفيد به رغم مسيس حاجتها إلى هذه الاستفادة، وهكذا يكون هدر الطاقات.

وأستأذن القارئ الكريم في أن أشير إلى بعض عبارات جاءت في عدد من دراسات المجلس القومي للتعليم – دراسات مضى عليها عدد طويل من السنين – التي لا تزال صالحة حتى يومنا هذا للافادة منها. وفيها أمور ما زلنا نكرر الكلام فيها: خذ مثلاً العبارات الآتية:-

«نريد أن نعلم أبناءنا أساليب التفكير لا أن نلقنهم فكراً معيناً، ولكل مواطن أن يصل إلى ما يشاء من أفكار، احتراماً لإنسانيته، وثقة في قدرته كإنسان».

ويستطرد التقرير فائلاً: «القضية الأساسية هي في حقيقتها دور التعليم في إعداد الإنسان الحر الواعي المدقق المفكر المبتكر، الذي يلتزم بإطار قيمي معين، يختاره هو بما يتفق مع المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا هو الإنسان المؤمن بالله، الذي يراعيه ويتقيه في علاقاته بنفسه وبالآخرين ».

ولعله يحسن أن نسأل أنفسنا هل أخذنا من هذه الأفكار أو حتى من بعضها؟

هل شعرنا كما شعر غيرنا منذ سنوات وسنوات بأن الأمة في خطر حقيقي نتيجه هذا التخلف الذي نعيش فيه؟

وأنا أكتب هذا المقال تلقيت مكالمة من مكتب الصديق الأستاذ الدكتور/ جابر عصفور «حارس التنوير»، كما أطلقنا عليه في الصالون الثقافي العربي، يدعوني إلى اجتماع للصالون نناقش فيه تجديد الفكر الديني، وقد يحسن بي هنا أن أذكر بأنني من أول من نادى بفصل الدين عن السياسة. إن الدين يقوم على اليقين المطلق والسياسة تقوم على المصالح المتغيّرة والخلط بين الدين والسياسة يضرّ الأمرين جميعاً.

ومع ذلك ستظل مصر بأزهرها المستنير وكنائسها العميقة الجذور في الأرض المصرية هي الحاضن الحقيقي لبلد حافظ على ثقافته وهويته، وقاوم الكثير من التدخلات الثقافية والفكرية على مر العصور. وتعرض للعديد من المحاولات لتغيير هويته، ولكن هذه المحاولات لم تبلغ غايتها، واستمرت مصر بشموخها وعزتها رغم كل المشكلات التي عانتها «أم التدين»، فالتدين السمح هو المفهوم الأساسي لثقافة مصر بتقاليدها وقيمها ومعاييرها، وهو الذي حفظها وحفظ عليها ثقافتها. وهكذا كانت ثقافة مصر، «أصيلة»، «عريقة»، «رائدة»، «عالمة»، «متعالية». تعطي للعلم والتعليم قيمة كبيرة.

وليكن التعليم مشروعنا القومي الحقيقي لأنه بغير التعليم سنكون أمة لا جذور لها ولا وزن والعياذ بالله.

سيحفظ الله مصر، هكذا وعد السيد المسيح عليه السلام «مبارك شعب مصر».

والله المستعان.

 

Email