بيير لوتي.. عاشق مدينة المساجد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ولد الرحالة بيير لوتي عام 1850، وامتد به العمر حتى عام 1923، وعمل ضابطاً في صفوف البحرية الفرنسية وارتحل طويلاً في أرجاء العالم، وكتب عن الأماكن التي زارها وفي المقام الأول عن مصر.

ويحدثنا بيير لوتي بأن مساجد القاهرة كانت لا تحصى على وجه التقريب، وهو يقدرها وقت زيارته لها بما يزيد على 3000 مسجد. ومن هنا فإنه يتحدث عنها باعتبارها «مدينة المساجد».

يقول لوتي أيضاً إن مساجد القاهرة كانت تشيد واحداً إثر الآخر على امتداد الشوارع والطرق، وفي بعض الأحيان كان هناك مسجدان أو ثلاثة أو أربعة مساجد على التوالي يلي أحدها الآخر، بحيث أنها جميعاً تكاد تكون كتلة معمارية مندمجة.

وفي كل الجوانب تشمخ منارات مرتفعة إلى عنان السماء وتلوح للعيان متزينة بالعربسات والنقوش وملتفة بأكثر ألوان الإبداع تنوعاً وتغيراً، وتزين شرفاتها الرشيقة الصغيرة، وهي مصممة بحيث ينسل النور من بينها، ويلوح بعضها بعيداً للعيان، بينما يبدو بعضها الآخر قريباً، وترتفع جميعها إلى عنان السماء.

ويشير لوتي إلى أنه حيثما تلتفت بناظريك في أرجاء المدينة، فإن لا بد أن ترى منارات أخرى تصافح ناظريك، وجميعها تكتسي باللون ذاته، وأقدمها يضم أعمدة عديدة من الخشب وضعت خصيصا هناك لتحط عليها أعداد الكبيرة من الطيور التي تحلق في سماء المدينة وتبحث أحياناً عن مجثم لها.

تشمخ هذه المساجد الثلاثة آلاف بجدرانها الشامخة مرتفعة عن الدور المجاورة لها، وهناك أمام المساجد على الدوام سلم مرتفع وسور مكسو بالرخام الأبيض، ومن الباب يتاح للمرء تحقيق إطلالة على الداخل الذي يكسوه الجلالة والمهابة والسكينة.

عندما تلج أحد هذه المساجد فإنك ستجد ممرات عديدة تتسم بالارتفاع المثير للدهشة، وتحيط بها ممرات وبهوات أخرى تفعم النفس بالسكينة والإخلاص والرغبة في المضي للصلاة التي هي عماد الدين في هذه المساجد.

ولم يكن مسموحاً لغير المسلمين ولوج هذه المساجد، ومن هنا فإننا نجد سجلاً يشير إلى أن نبيلاً فرنسياً يحمل لقب كونت تنكر في زي رجل مصري قبل الولوج إلى المساجد.

وكان كونت أوغست دي فوربان يحرص دوماً على ارتداء أزياء المصريين قبل أن يدخل أي مسجد، وبهذه الطريقة تمكن من دراسة كل مساجد القاهرة تقريباً التي يقول لنا إنه كان يدخلها وقد أحنى رأسه بحيث لا يتعرف أحد عليه باعتباره أجنبياً، كان عندئذ يغمغم بالكلمات العربية التي تعطي الانطباع بأنه مسلم.

وفي بعض الأحيان كان يمضي في الأسواق لرؤية مسجد السلطان حسن الشهير، وهذا المسجد يتميز بروعته المعمارية وبالذوق الرفيع الذي كان معماريو مصر يتمتعون به في ذلك الوقت.

يقول في هذا الشأن: «اقتربنا من المسجد عبر حي يقطن فيه الأثرياء والنبلاء دورا ذات أبواب رائعة، ولما كانت النوافذ تطل عادة على الفناء والحديقة، فإن تأثري الكلي للمبنى يتمتع بالجلال والسكينة، وقد دهشنا بهذه الصفة خصوصاً، كما دهشنا في المدينة بصفة عامة من النظافة الشديدة والطرقات والشوارع التي لم تكن ممهدة، كما لفت نظرنا السلوك المهذب الذي يلزمه الناس جميعاً.

 

Email