الموسيقى في الثقافة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن الموسيقى في الثقافة العربية شكلاً فنياً فحسب، وإنما كانت أيضاً علماً وعلاجاً ووصفة طبية يأمر بها الأطباء، لعلاج أذهان المرضى وأجسامهم. واعتبر المسعودي (المتوفى عام 956)، أن دراسة الموسيقى أرقى ما في الثقافة اليونانية القديمة، لأنها تحلق بالروح عالياً.

وقد اعتقد، شأن الكثير من المؤلفين الآخرين، أن هناك صلة بين جسم الإنسان والكون، وأن أمزجة البشر تتناغم مع ذبذبة الموسيقى. وكتب الفارابي يقول إن الإيقاع يسهم في جمال الطبيعة.

وميز إخوان الصفا بين جانبين من جوانب فن الموسيقى، هما الفن نفسه وأثره في الناس. وتبنوا الفكرة القائلة إن الموسيقى هي صدى لموسيقى الكون التي تحدثها الأجرام السماوية، واعتقدوا أن الموسيقى يمكنها التغلب على أي قبح، كما أنها يمكن كذلك أن تؤثر في الحيوانات وتحركها.

وكان ينظر إلى الموسيقى في الثقافتين الإغريقية والهندية وغيرهما من الثقافات، على أنها متعة تعلم الذهن وتحسن الشخصية وتنعش الروح، ولهذا، استخدمت في بعض الاحتفالات الدينية، وهي علاج للاكتئاب وملهمة للصغار.

كانت الموسيقى شيئاً بالغ الأهمية في رفاه الملوك بسبب تأثيراتها العلاجية والترفيهية، وتحتل مشاهد تظهر الموسيقيين وهم يعزفون، مكانة بارزة في اللوحات الإسلامية التي تظهر الأشكال التشبيهية.

الموسيقى جنباً إلى جنب مع الصيد، وسيلة مفضلة لإزجاء الوقت في الريف، حيث نجدها مصورة في اللوحات الجدارية وعلى الأشياء على حد سواء.

وكان الاعتقاد بالتأثيرات العلاجية للموسيقى أو تأثير الأنغام الموسيقية في الذهن يقوم على المبدأ الإغريقي، الذي وفقاً له، ترتبط العناصر والحالات المزاجية بعلاقة وثيقة في إطار أنغام وإيقاعات محددة تعكس النظام الكوني.

كان الفيلسوف الكندي (المتوفى عام 866)، والذي كان أيضاً مؤلفاً للعديد من الكتب التي تدور حول الموسيقى، واحداً من أكبر الداعين إلى هذا المبدأ. ونظر ابن خلدون إلى الموسيقى باعتبارها الشكل الفني الأكثر تطوراً، لأنها لا يمكن إلا أن توجد في مجتمع بالغ التقدم، باعتبارها تعبيراً عن السرور والرفاه.

وكانت الموسيقى هي الفن الذي عزا إليه الأدب العربي التأثير الأكثر عمقاً على الروح الإنسانية.

وبالنسبة للموسيقي ومبدع الألحان الكاتب (القرنان العاشر والحادي عشر)، فإن المتعة الحقيقية للموسيقى ليست تأثيرها الفوري، وإنما رصد تطور هذا الفن.

وفي إطار النظرية الموسيقية، قام العرب بشرح أعمال الإغريق والإضافة إليها.في العصر العباسي، عقدت مناقشات حول الموسيقى في البلاط، كان الخليفة فيها هو الحكم الذي يحسم النقاش، وكانت هناك مدارس مختلفة في النظرية الموسيقية، تماماً كما كانت هناك مدارس مختلفة في الشعر، وكان الخلاف بين المحدثين والتقليديين موضوعاً كبيراً وممتداً للنقاش والجدال.

استمر النقاش بين المحدثين والتقليديين وصولاً إلى القرن الحادي عشر، عندما كتب الكاتب مقالات تفيض بالحماسة دعماً للمدرسة التقليدية.

كانت الموسيقى في البلاط تتضمن على الدوام العزف، وكان العازف أيضاً مغنياً، وغالباً ما كان شاعراً يتعين أن تجمع موهبته بين القدرات النظرية والعملية.

في العالم العربي المعاصر، نجد أن عازف الموسيقى أكثر شهرة من مؤلفها، لأن العزف ينظر إليه على أنه أكثر الجوانب إبداعاً في العمل، وربما كان فن أم كلثوم واحداً من آخر الأمثلة على النزعة الجمالية العربية التقليدية، وكانت شعبيتها هائلة للغاية، بحيث إن النقاد ألقوا على كاهلها وكاهل أغانيها اللوم على الهزائم العربية في المواجهات مع إسرائيل.

وهي بأدائها قصائد لشعراء محدثين عظام، تتناول العشق والأسى، معبراً عنهما بطابع تجريدي رمزي لمشاعر الحنين.

 

Email