تبادل الثقافة ركيزة إنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعيداً عن الترتيبات الرسمية و«البروتوكول» وعبر التظاهرات الشعبية والثقافية نمد بحرص جسور التواصل بيننا وبين شعوب العالم.. هذا فحوى ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عقب زيارة سموه للقرية العالمية التي تستضيفها دبي على مدى تسعة عشر عاماً.

رسالة مفتوحة على الدوام تقدمها الإمارات بلا تردد أو انقطاع تؤكد من خلالها أن الثقافة والفكر سيبقيان سفراء العلاقات الوثيقة بين الدول ولن تستطيع أية حواجز أن تحول بين تبادل أمثال هؤلاء السفراء وخبرات الشعوب لأنهم نبض الشارع الإنساني على امتداد جذوره وتلون آفاقه، والقاسم المشترك بين الأمم مهما تعددت ولاءاتها وتباعدت أقطارها.

من المعلوم أن التواصل الثقافي أبسط وأقوى الطرق والوسائل للنظر بعيون الآخرين نحو العالم، وكيفية تواصلهم معه وإدراكهم له، ولو كانوا ينتمون إلى ديانات ومجتمعات وأعراق وخلفيات تعليمية مختلفة، ثم الخروج بما يصلح لبناء المجتمع الإنساني المتعاضد المتساند وليس المتحارب المتعاند.

نعلم، بأسى، أن الصورة الخارجية لواقع التواصل بين الكثير من الشعوب ليست بهذا النقاء ولا بمثل هذه الألوان الوردية على الدوام، وإن كنا نتمنى من العقلاء تجاوز العقبات والانحياز للإنسان أولاً وأخيراً، ولكننا مع ذلك، بوصفنا على الأقل عاملين في ميدان الفكر والثقافة والمعرفة، لا نملك.

إلا أن نثق تمام الثقة بأن التواصل الثقافي يبقى أولى الخطوات لكسر جمود أي علاقات بين الشعوب، والقادر على تقديم الصورة الحضارية للمجتمعات الإنسانية بغض النظر عن مشاحناتها، لأن دعاة التواصل هي الشعوب، والشعوب هي أقدر على الدوام في ميدان ردم الفجوات التي تحدثها في كثير من الأحيان لوثة النزاعات.

ونحن هنا في دولة الإمارات، وبفضل النظرة العميقة الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، تتفق لدينا رؤية القيادة مع الشعب في أولوية الثقافة الإنسانية وجدارتها بنقل المحصول المعرفي عبر الحدود الجغرافية وتقديم الصورة الرائقة للإنسان القادر على عمارة الأرض.

أحوج ما نكون في هذه الأوقات لمثل هذه النظرة الإنسانية الثقافية الواسعة، ونحن نرى سرطان التطرف يغزو الكثير من المجتمعات، ولن يقف بوجهه إلا إعادة ترتيب الأولويات الإنسانية.

والنظر بتواضع إلى تجربتنا المعرفية ونتقاسم نجاحها بين جميع الشعوب، مع يقيننا أنه لا يحق لأحد أو أمة أو شعب أبداً أن يحتكر الريادة الإنسانية، بل جلّ ما يمكننا أن نقدمه هو نظرتنا للحياة ونستمتع لنظرة الآخرين لها لتستمر مسيرتنا الإنسانية، أو على الأقل في مثل ظروفنا الآن أن نخرج من عنق الزجاجة.

التطرف عدو الثقافة، لأنه لا يؤمن إلا بالنظرة الأحادية للكون والإنسان والعلاقات في حين أن الثقافة تبادل لوجهات النظر، وهو عدو للإنسانية لأن اتباعه يرون أنفسهم هم الأجدر بالحياة، بينما تقف على الجادة الأخرى المبادئ الإنسانية لتقول له إن الحياة تتسع للجميع، وإن زاوية النظر الواحدة تبقى قاصرة عن الإحاطة بالحقيقة من جميع جوانبها.

بل إن مجتمعاتنا العربية كرّست هذه الفكرة في نفوس أبنائها وذلك بالحرص على مد جسور المعرفة والثقافة والتواصل بعيون الباحثين عن الحكمة وليس عن الترف الثقافي، والمعرفة والثقافة تقتضي البحث بحرص عن الحكمة حتى لدى الشعوب التي لا تؤمن بأفكاري، فلا تخلو تلك الشعوب من خير إنساني يشاطرنا عمارة النفس والكون والحياة.

 

Email