الحيوانات في الثقافة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعرف القارئ أنني مولع بصفة خاصة بالحيوانات، وقد أبديت على الدوام اهتماما بالنصوص المكرسة لها في الأدب العربي وفي الآداب العالمية، ولطالما تابعت هذه النوعية من النصوص.

يبدو عالم الشعراء المخضرمين مزدحما بالحيوانات، حيث يرد ذكر حوالي 80 نوعا من أنواع الحيوانات في قصائدهم، وهناك أوصاف مطولة للإبل، الخيل، الهدهد، الطيور وحيوانات القنص، وهي كلها تشكل جزءا لا يتجزأ من الشعر المخضرم.

ويكشف وصف الإبل عند طرفة بن العبد ليس فقط عن افتتان بالحيوانات وإنما يتضمن نهجا شعريا نجده في شعر العشق كذلك.

وقد نظر إلى الحيوانات العجيبة على أنها هدايا قيمة مما يهدى للملوك، جنبا إلى جنب مع الجواهر والتحف. وهناك أدب بالغ الثراء يتناول الحيوانات باعتبارها من عجائب الدنيا، وبحسبانها أمثلة للحكمة التي يتعلمها الإنسان منها.

وقد أصبح كتب «كليلة ودمنة» الهندي الذي تمت ترجمته إلى اللغة العربية خلال العهد العباسي واحدا من أشهر الكتب المصورة التي يتم الرجوع إليها كثيرا في الثقافة الكلاسيكية العربية. وقد تم تأليف كتب البيزرة في كل العهود وأشهرها كتاب «الحيوان» للجاحظ، الذي ينتمي إلى عالم الأدب.

ويتألف من 7 مجلدات توصف فيها الحيوانات بأنها من عجائب مخلوقات الله، ويتم الاهتمام إلى حد كبير بسلوك الحيوانات ونفسيتها، وقد قيل إن الجاحظ قد اعتبر أن أروع ثلاثة أشياء في الدنيا هي البومة والكركي و«مالك الحزين».

وقد قيل إن البومة لا تظهر بالنهار قط خوفا من أن جمالها الذي تعتقد أنه فاتن حقا قد يجتذب عيون الحساد. والكركي لا تقف على قائمتين معا قط لأنها تسير متهادية في رقة. أما «مالك الحزين» فهو يرقب الماء خلال تراجع المد، وهو يخشى أنه قد ينحسر عن وجه الأرض، مما جعل دموعه تقطر حزنا.

وكان الجاحظ يهتم أيضا بالحيوانات لأنه يرى فيها جوانب من شخصية الإنسان الذي يجمع باعتباره صورة مصغرة للكون بكل سماته وخصائصه.

وقد سجلت قائمة مطولة بالحيوانات في الأدب الذي يتناول تفسير الأحلام، والأدب العربي والحكايات الخرافية التي تتحدث عن ذكر حيوانات رائعة يعتقد أنها تسكن في البحار والصحاري.

والحيوانات والطيور الرائعة هي خير أصدقاء البشر، فهي تبدو ناقلة سحرية لكل الناس عبر البلدان والقارات، وهناك حيوانات أسطورية تعود إلى ثقافة ما قبل الإسلام في صدرها التنين قدر لها أن تدرج في فنون العالم العربي.

وفي «ألف ليلة وليلة» تصف قصص عديدة تجليات للبشر عندما يتحولون إلى حيوانات، وغالبا ما يكون للطيور مثل الطاووس والحمامة والغراب ارتباطات رمزية، وقد استخدم الطير في الأدب الأسطوري والرمزي كرمز للروح، وكان الغزال حيوانا مفضلا في رياضة الصيد.

ولكنه كان يحظى بالاهتمام كذلك لرشاقته، وهو يظل حتى اليوم بالنسبة للعرب رمزا لحسن المرأة بما في ذلك الأدب العربي الحديث، حيث تقارن المرأة بالغزالة في إشارة إلى حسنها وبصفة خاصة إلى جمال عينيها.

وكما في العديد من الثقافات والآداب والفنون، جرى ربط الأسد بالسمات الملوكية وبالقوة ولعب دورا كبيرا في صور الملوك، كما ورد ذكره كذلك في السياقات الفلكية وغيرها كثير. ويقال إن الأدب العربي يضم ما يزيد على 600 كلمة تعني الأسد، وهناك عدد مماثل من الكلمات يعني الاجمل وكذلك الحال بالنسبة للجواد.

كانت المؤثرات المتعلقة بالحيوان شائعة في الفنون التشكيلية، حيث تظهر على الأعمال الخزفية الأرانب البرية، الغزلان، الأسود، الطيور والأسماك وكذلك الحيوات الأسطورية.

وهي تظهر أيضا في الأعمال المعدنية والجواهر والزخارف المعمارية وجميع أشكال المنسوجات وقطع الأثاث، وحتى في أماكن مثل مصر وسوريا المملوكيتين، حيث كانت عمليات تقليد الأشكال البشرية نادرة، فإنها ترد في مشاهد الصيد التي كانت من اكثر الموضوعات شيوعا في الفن الإسلامي.

وفي «ألف ليلة وليلة» نجد عروسا تسير متبخترة مرتدية ثوبا محلى بالذهب تتألق فيه جميع أشكال الطيور والحيوانات باستخدام الأحجار الكريمة في موضع عيون الحيوانات والطيور.

وعلى الرغم من أن العرب كانوا أقل اهتماما بلوحات المنمنمات من الفرس والترك، فإن كتب البيزرة والحكايات الأسطورية غالبا ما كانت تزود بالرسوم البديعة، وقد شملت مسرحيات الظل على الكثير من المشاهد التي تتناول الحيوانات الحقيقية والأسطورية وهي تتعارك فيما بينها أو يطاردها الصيادون.

لم يكن النحت شائعا في الثقافات العربية، ولكن الحيوانات المنحوتة كانت معروفة لدى العرب وغالبا وما ارتبطت بالأشياء الفخمة المتنوعة لدى الملوك والأمراء، ويحدثنا المؤرخون عن أن الخلفاء الفاطميين في مصر كانوا يحبذون الأعمال النحتية الصغيرة المتخذة من السكر والتي تأخذ شكل الحيوانات، وقد استخدمت أشكال الأسود التي تندفع من أشداقها المياه في النوافير، والنموذج الأكثر شهرة هو كما نعلم جميعا أسود قصر الحمراء في الأندلس.

 

Email