«جزيرة الحيوانات» جسر يمتد عبر أحد عشر قرناً

ت + ت - الحجم الطبيعي

"جزيرة الحيوانات" كتاب أصدره الناشر البريطاني كوارتيت لحسابي في عام 1994، مع رسومات من إبداع الفنانة التونسية صبيحة خمير، ولم يعد له وجود الآن في الأسواق. ولكنني أعلق أمالا كبارا على إمكانية العثور على ناشر يعيد إصداره.

وقد رأى هذا الكتاب النور للمرة الأولى في البصرة في القرن العاشر الميلادي، وكان أصلا يحمل عنوان "الخلاف بين الحيوانات والإنسان" ومع قيامي بإنجاز إصدار جديد له طلبت إدخال الفكرة المتمثلة في أن كلا من الحيوانات والبشر يرون أنفسهم على جزيرة خالية من البشر يتعين عليهم أن يتنافسوا فيها على من سيحكم الآخر.

وبينما أخذت الفكرة الأساسية للكتاب من الأصل العربي الذي أطل في البصرة في وقت يعود إلى القرن العاشر لميلادي ، فإن هذا الكتاب يعد أشهر قصص للحيوانات وصلت إلينا.


ويتميز هذا الكتاب بأنه فريد في الطريقة التي يدافع بها عن حقوق الحيوانات وهو في صيغته الراهنة يعد بشكل أساسي العمل نفسه الذي صدر منذ زمن بعيد باللغة العربية، وذلك برغم أنني قد غيرت بعضا منه لأجعله أكثر قابلية لتفهم معانيه من جانب القراء باللغة الإنجليزية .

يطرح الكتاب السؤال الأساسي، وهو في أي جانب يعد الإنسان أسمى من الحيوانات ولماذا يتعين عليه أن يعتقد أنه قد انعقد له لواء السيادة على أعضاء المملكة الحيوانية؟

الإجابة بسيطة للغاية بالمفاهيم الإسلامية، فالإنسان في التحليل النهائي مميز عن الحيوانات باعتباره المخلوق الوحيد الذي يتم سؤاله لدى موته عن أعماله، وهو الذي وعد بحياة في الآخرة بحسب سلوكه في الدنيا.
قبل أن يبزغ نور الإسلام في شبه الجزيرة العربية، كان ينظر إلى الحيوانات باعتبارها موجودة لكي ينتفع بها الإنسان، ومع بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، تم إيضاح أن الإنسان جزء من الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى.

والقران الكريم يضم ما لا يقل عن خمس سور تحمل في عناوينها أسماء الحيوانات والعديد من الآيات تتناول مكانة الحيوانات في رحاب الكون الذي خلقه الله وصوره وهناك آية في القران توضح لنا بجلاء أن الحيوانات على الأرض والطيور في السماء هي أقوام مثلنا.

هكذا فإن القران الكريم يوضح للإنسان أن الله قد استخلفه في الأرض وترد في القرآن الكريم كذلك إشارات كثيرة للحقائق التي تدور حول أن الحيوانات إنما خلقت لينتفع بها الإنسان وأن مسؤولية رعايتها والحفاظ عليها قد عهد بها إليه .

ويلاحظ أنه في التقاليد الإسلامية لا يتعين قتل الحيوانات إلا لاتخاذها طعاما للإنسان، وذلك مع وجود استثناء بعينه ينطبق على كائنات مثل الثعابين والعقارب. ويوضح القرآن الكريم أن الإنسان سيلقى ثواب كل عمل من أعمال الرفق يبديه تجاه الحيوانات، وأيضا تجاه البشر من أمثاله.

ونحن جميعا نعرف الحديث النبوي الشريف الذي يشير إلى رجل هبط في بئر يروي عطشه ولدى صعوده مجددا وجد كلبا يلهث من العطش، فنزل إلى البئر مجددا ليملأ خفه بالماء ليروي ظمأ ذلك الكلب، فنال الجنة على فعلته.

ويحدثنا الشبلي كيف أن رجلا قدر له أن يدخل الجنة لأنه أنقذ قطة كانت تحتضر جراء البرد الشديد، كما دخلت امرأة النار بسبب قطة حبستها فلا أطعمتها ولا تركتها تخرج لتبحث عن الطعام. وكلنا نعرف الرواية الشهيرة عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مزق جزءا من ردائه لأن قطة كانت راقدة عليه وأبت نفسه الكريمة أن يزعجها إذا هب واقفا.

والإسلام يعلمنا أن الحيوانات ينبغي الحفاظ عليها في ظل ظروف وأوضاع مناسبة وهكذا فإنه ينهى عن حبس الحيوانات والطيور في الأٌقفاص ونعلم جميعا قصة الصحابي الكريم الذي اشترى طيور صغيرة كان بعض الصبية قد اصطادوها ومن ثم بادر إلى إطلاق سراحها لتحلق حرة في أجواء الفضاء .

وتشمل الأحاديث النبوية الشريفة حظر كل أشكال الرياضات الدموية، كتلك التي تشمل مصارعة الحيوانات لبعضها بعضا لتسلية الإنسان, والإسلام يعلمنا أن الإنسان سيحاسب عن كل أعماله تجاه كل المخلوقات والحكايات والأقوال المدرجة في الكتاب ليست إلا جزءا صغيرا من نظيرتها المتوافرة في التقاليد العربية حول موضوع الحيوانات وحتمية الرفق بها ومعاملتها معاملة كريمة..

وهي تضم التوجيهات ألأساسية التي يتعين على المسلمين العمل بها وتوضح فهما حقيقيا لسلوك الإسنان السليم حيال نفسه والبشر من حوله والمخلوقات جميعا.

ولعلنا نلاحظ أن هذا الاهتمام بالحيوانات لم يبدأ في طرق أبواب الضمير الغربي إلا حديثا وبعد قرون طويلة من بزوغ نور الإسلام.
 

Email