التنوير.. والإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقديري أن العدو الأول للإرهاب بكل أشكاله، وأشكاله متعددة، هو التنوير بكل ألوانه وأنواعه، وألوانه وأنواعه أيضاً متعددة. والوطن العربي، أو بالأدق الغالبية من أقطاره، تمر بأنواع من الإرهاب المدمر المتخلف، الذي يتسربل بلباس الدين..

ولم يكن الدين الصحيح يوماً من الأيام، أياً كان هذا الدين، يدعو للإرهاب. ولكن للأسف المر، ظهرت جماعات كثيرة تدعي أنها تعمل لنصرة الإسلام وتحت رايته، وكل الذي تعمله يصب في النهاية ضد الإسلام، وتصوره في نظر الذين لا يعرفونه، وهم كثر، على أنه دين إرهابي.

وحسناً فعل الأزهر الشريف، عندما دعا إلى مؤتمر دولي لم يقتصر على العرب فقط، وإنما امتد إلى أمم أخرى، ولم يقتصر على المسلمين فقط وإنما ضم أيضاً عدداً من الأساقفة والمطارنة. وفي تقديري أن بيان مؤتمر الأزهر كان وثيقة تنويرية بامتياز.

قلت عندما أصدر الأزهر وثيقة عن الدولة المدنية الديمقراطية في أعقاب ثورة 25 يناير، إن هذه الوثيقة تستحق أن تعتبر واحدة من أهم ما صدر من وثائق في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين. ويأتي هذا البيان الصادر منذ أيام لكي يقدم عملا تنويريا رائعا، يرد على ما ذهب إليه أهل داعش ومن شابههم من جماعات تسمي نفسها إسلامية..

وكلها جماعات إرهابية لا أستبعد أن بعضها مأجور للإساءة إلى الإسلام، هذا الدين السمح العظيم الذي لم يدع لشرٍّ قط، ويكفي أن نعرف أن سورة مريم في القرآن الكريم، هي السورة الوحيدة التي تحدثت عن سيدة. لم يأت في القرآن ذكر للسيدة خديجة ولا للسيدة عائشة..

ولا لسيدة قط إلا السيدة مريم التي طهرها الله واصطفاها على نساء العالمين. هل هذا الدين يمكن أن يحرض أتباعه على قتل المسيحيين؟ القرآن الذي يقول {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون}. لماذا بالله ننسب إلى ديننا الحنيف ما ليس فيه..

إلا أن نكون مجردين من العقل أو أن نكون عملاء لمن يريدون الإساءة إلى الإسلام وهم يعلمون ما يفعلون! وأعود الآن إلى وثيقة التنوير التي صدرت عن مؤتمر الأزهر الأخير، لأناقش بعض ما فيها، والتي أعلن أنني أعجبت بكل كلمة فيها وأؤيد كل كلمة فيها من كل قلبي وعقلي ووجداني.

ولا أجد مانعاً من إيراد بعض نصوص هذا البيان التنويري الرائع، الذي أعتبره أحد أهم الوثائق التي صدرت عن الأزهر أو من أي جهة فكرية تعنيها شؤون العالم الذي نعيش فيه. انظر إلى البيان واصفاً الجماعات الإرهابية التي ترعرعت في السنوات الأخيرة بأن «هذه الجماعات آثمة فكراً وعاصية سلوكاً». وجاء في نص البيان التأكيد على أن المسلمين والمسيحيين في الشرق هم إخوة ينتمون معا إلى حضارة واحدة وأمة واحدة، والعبارة دقيقة.

 تأمل عبارة «حضارة واحدة وأمة واحدة». وقد أكد المطارنة الذين شاركوا في المؤتمر، وفي مقدمتهم الأب جورج صليبا، على أن الإرهاب كيان طارئ على المنطقة، كما أكد هو وغيره من المطارنة والقساوسة، وحدة وتماسك المسلمين والمسيحيين في المنطقة العربية، وأكدوا أيضاً براءة الأديان السماوية من العنف والإرهاب. إذا كان جوهر الدين يقوم على المحبة والسلام، فكيف يلتقي الدين في عمومه بالإرهاب؟

وأكدت وثيقة الأزهر التاريخية هذه التي نعرض لها، على أن الحل لما يسود المنطقة من إرهاب، يكمن في أن تسود المحبة واحترام الآخر، ومعرفة كيف نتحاور ونختلف ونتفق، ولكن لا نتحارب. وتحت يدي كتاب قيم من إصدارات مكتبة الأسرة في العام 2014، أي العام الذي نعيش في شهره الأخير الآن، للأب جورج قنواتي بعنوان «المسيحية والحضارة العربية».

وهذا الكتاب بالغ الأهمية لمن أراد أن يستزيد، ولكن من الصعب بل قد يكون نوعاً من عدم التقدير أن نشير إشارة عارضة إلى هذا الكتاب القيم الذي يستحق الدراسة، ولعل الظروف تساعدني ذات يوم أن أقدمه للقارئ التقديم الذي يليق به.

 

Email