المملكة المتحدة جنّة المتطرفين

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يبدو ما سأقوله مثيراً للصدمة، لكن الأدلة المتراكمة تكشف أن التنظيمات الإسلامية المتشدّدة تجتاح بريطانيا، على حساب أصدقائها في الشرق الأوسط.

فقد استضافت المملكة المتحدة حتى عام 2010 تنظيم «المهاجرون» الذي تشعّب مؤخراً وتحوّل إلى تنظيمات مختلفة، وقد تمكّن زعيمه السابق، رجل الدين المتشدّد أنجم شودري، من تجنيد جهاديين للالتحاق بما يُسمّى «داعش» إلى حين اعتقاله قبل وقت قصير، ثم إطلاق سراحه بكفالة لأسباب مجهولة.

ليس من قبيل الصدفة انضمام ألفَي مسلم بريطاني إلى صفوف «داعش»، وبينهم الرجل الملقّب بـ«جون الجهادي»، الذي شوهِد في مقاطع الفيديو يقطع رؤوس الرهائن الأميركيين والبريطانيين.

علاوةً على ذلك، كُشِف النقاب عن سبع مدارس حكومية في برادفور، تُعلِّم طلابها منهاجاً دراسياً متشدّداً، بما في ذلك التمييز على أساس الفصل بين الجنسين، ودعوة الطالبات إلى التحجّب من خلال تغطية أجسادهن بشكل كامل فيما عدا الكفّين والقدمَين.

وتخضع حالياً ست مدارس على الأقل في منطقة تاور هاملتس في لندن، حيث شوهدت أعلام «داعش» ترفرف عالياً، للتحقيق حالياً على خلفية نشرها آراء متشدّدة في أوساط الطلاب.

ولا يخفى على أحد أنه سُمِح لجماعة «الإخوان المسلمين» - التي صنّفتها مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية - بفتح مركزها الأساسي فوق متجر كباب في شمال لندن، حيث يبذلون جهوداً حثيثة الآن لإعادة تنظيم صفوفهم، بعدما لم يعد مرحّباً بهم في مصر وقطر.

ومن الواضح أن «الإخوان» يشعرون الآن وكأنهم في ديارهم في بريطانيا العظمى، حيث يمكنهم أن يعبثوا بوقاحة وعلى هواهم، بقوانين البلاد العريقة التي صُقِلت على مر القرون، وينشروا دعاية مضلِّلة على مرأى من العالم.

يُجيد الإخوان والتنظيمات التي يتلطّون خلفها، التلاعُب بالمنظومة واستغلال هذا المجتمع المنفتح والمتسامح والمتمسّك بالصوابية السياسية، من أجل تحقيق مآربهم.

صحيح أن الحكومة البريطانية أجرت تقصّياً حول أنشطة الإخوان، لكنها لم تعلن بعد رسمياً عن النتائج التي توصّلت إليها؛ وربما كان السبب أن الجماعة هدّدت بشن هجمات على بريطانيا في حال توصيفها بالإرهابية.

وقد أعلن تنظيمان إسلاميان، «الرابطة الإسلامية في بريطانيا العظمى» و«مؤسسة قرطبة» (وكلتاهما واجهة لجماعة «الإخوان المسلمين»)، أنهما ينويان التحرّك قانونياً ضد الإمارات العربية المتحدة بسبب «تشويه سمعتهما»، بعد وضعهما ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية التي أصدرتها مؤخراً دولة الإمارات.

قبل أسبوع، كنت لأسخر من تلك التهديدات وأعتبرها مجرد ترّهات سخيفة، لكن المنظومة القانونية البريطانية التي لطالما احترمتها كونها الأكثر عدلاً على وجه الأرض - وما زلت أحترمها - تخضع لحَرفية النصوص ولا تتأثر بالاعتبارات السياسية.

والدليل على ذلك، الخبر الذي أورده الموقع الإخباري الإلكتروني The Middle East Eye (بحسب ما كشفته صحيفة «ذي ناشونال» الإماراتية)، الذي يروّج بأسلوب تافه ومتدنٍّ لجماعة «الإخوان» ويتخذ من المملكة المتحدة مقراً له.

فقد جاء في الخبر أن المحكمة العليا البريطانية منحت الشرطة الضوء الأخضر للتحقيق في ارتكاب وزراء مصريين جرائم دولية ضد الإنسانية وأعمال تعذيب فيما لا يزالون في مناصبهم، وذلك استجابةً لعريضة قدمها «حزب الحرية والعدالة» التابع للإخوان.

كيف يُعقَل أن تجري الأمور على هذا النحو في حين تلقّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوة للقيام بزيارة رسمية إلى لندن، واستُقبِل مؤخراً بحفاوة شديدة من الرئيسَين الإيطالي والفرنسي، فضلاً عن البابا فرنسيس؟

في حال كان ذلك صحيحاً، فإن القرار المزعوم الصادر عن المحكمة العليا، بالاستناد إلى مبدأ الاختصاص الدولي الذي نادراً ما يُستخدَم، سيمنح زخماً للإخوان، في حين أن حلفاء مصر العرب لن يعتبروه إساءة فادحة وحسب، إنما أيضاً سابقة يمكن أن تؤثّر سلباً في البلدان الأخرى التي تسعى جاهدة لحماية أراضيها من عدوى الأيديولوجيات المتشدّدة.

ومما لا شك فيه أن النظام القضائي البريطاني يتمتع باستقلالية تامة، لكن ما الذي يحول دون قيام العراقيين والأفغان المستائين، بمقاضاة توني بلير وحكومته على دورهما في القصف والتعذيب والتآمر مع الولايات المتحدة لتسليم المشتبه بهم في الضلوع في أعمال إرهابية إلى معتقل غوانتانامو بطريقة غير قانونية؟ لا يخضع بلير للتحقيق، بل تُغدَق عليه المناصب العليا والجوائز والأدوار الاستشارية في مجالس إدارة الشركات.

فضلاً عن ذلك، يتنقّل المسؤولون في النظام السوري القاتل، بحرية تامة حول العالم، غير عابئين بشيء على الإطلاق. لماذا لا يُحاكَم الرئيس التركي رجب أردوغان بتهمة قتل الأكراد وإيواء مقاتلي «داعش» في الأراضي التركية؟

لقد استاء ديفيد كاميرون لأن الرئيس الفاشل مرسي، من جماعة «الإخوان»، طُرِد سريعاً من الحكم.

وهو يوجّه منذ ذلك الوقت دعوات إلى الحكومة المصرية كي تتصالح مع هذا التنظيم الإرهابي، الذي يقتل عناصر القوى الأمنية، ويحرق الكنائس، ويزرع القنابل على السكك الحديدية، ويُلقي الزيت على الجسور للتسبّب في حوادث السير.

حتى إن كاميرون سعى إلى معاقبة القاهرة بسبب موقفها المناهض للإخوان، وذلك عبر تعليق بعض تراخيص التصدير.

الرسالة التي أوجّهها إلى كاميرون هي التالية: «يجب أن تتوقف عن استرضاء المتطرفين، لا سيما وأن أصدقاءك في الشرق الأوسط والخليج يحاربون داعش والقاعدة وأنصار بيت المقدس، وكذلك الإخوان الخونة الذين لا يكنّون ولاء لأي بلد.

علاوةً على ذلك، لا يحق لك التدخل في شؤون مصر، هذا البلد العربي الذي يعاني من الاضطرابات، ويبذل جهوداً حثيثة لترتيب المنزل الداخلي. عليك احترام رغبة الشعب المصري وقيادته المنتخبة، التي تسعى جاهدة لإنهاء الفوضى وإرساء النظام».

الرسالة عينها أوجّهها إلى شريحةٍ من الإعلام البريطاني، زعمت زوراً أن نتائج الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر العام الماضي كانت مزوّرة، في حين أن استطلاعاً للآراء نُشِر في سبتمبر الماضي، أظهر أن نسبة التأييد للسيسي تبلغ 82%.

بالفعل، يزعم المقال المنشور عبر موقع The Middle East Eye أن محمد مرسي هو «الرئيس المصري الوحيد المنتخَب ديمقراطياً»، مع العلم بأن الرئيس السيسي فاز بملايين الأصوات الإضافية، بالمقارنة مع المجرم الذي يُحاكَم بتهمة التواطؤ مع الحكومات الأجنبية والتآمر مع «حماس» و«حزب الله» للخروج مع أزلامه من السجن.

لماذا تصرّ الحكومة البريطانية ومحاكمها ووسائل إعلامها على عدم احترام رغبة الأكثرية، وتفضّل بدلاً من ذلك الدفاع عن أقلية صغيرة متشدّدة وعنيفة؟

لا أستطيع، من موقعي كإماراتي وعربي أبيّ لطالما اعتبر المملكة المتحدة وطنه الثاني، أن أغضّ النظر عن المناخ السياسي الراهن في بريطانيا، الذي يتسبب في إضعاف أصدقائها العرب فيما يشكّل مستنقعاً خصباً للإرهابيين يهدّد منطقتنا، ولا بد من أن يرتدّ على الشعب البريطاني عندما يتبدّل مسار الأمور في 10 داوننغ ستريت.

Email