جونز وغوري.. معماريان استلهما روائع مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان أوين جونز (1809-1874) شخصية تحظى بأهمية كبيرة في عالم العمارة والتصميم في أواسط العهد الفكتوري، وقد ولد في لندن ابناً لعائلة يعمل الأب فيها تاجراً للفراء. ومنذ السادسة عشرة من عمره تدرب على يد المعماري الشهير لويس فوليامي الذي كان قد فاز بمنحة الأكاديمية الملكية للسفر والترحال، الأمر الذي أتاح له زيارة إيطاليا، اليونان وآسيا الصغرى اعتبارا من عام 1819.

حذا أوين جونز حذو أستاذه فغادر إنجلترا في عام 1831، وانطلق يجوب أرجاء أوروبا، ولم تبق من هذه المرحلة أية يوميات أو مراسلات، ولكننا نعرف أنه قد زار إيطاليا أولاً، حيث قام برحلات إلى روما وبومباي، وبعد ذلك مضى إلى اليونان، حيث التقى المعماري الفرنسي جول غوري.

وقد فتن الرجلان بصفة خاصة بالأوان المتعددة، وكان غوري الذي سافر في السابق مع المعماري الألماني غوتفريد سمبر، قد راكم ملفا إضافيا من الدراسات بكل الألوان التي يمكن الحصول عليها في أطلال المباني الرومانية والإغريقية. قام جونز وغوري عقب ذلك بعبور البحر المتوسط وارتحلا صاعدين في نهر النيل لدراسة آثار وأطلال مصر ذات الأهمية البالغة.

ارتحل الرجلان معاً بعدئذ إلى اسطنبول، ومن هناك إلى إسبانيا حيث أمضيا ستة أشهر في دراسة قصر الحمراء، وهناك في غرناطة توفي غوري في 28 أغسطس 1834 جراء الكوليرا، وذلك عن 31 عاماً، تاركاً لجونز إكمال رحلة العودة إلى الوطن وحيداً بعد عدة أشهر أمضاها في فرنسا.

لا شك في ان معرفة جونز بالعمارة الإسلامية خلال الفترات التي أقام فيها في القاهرة، اسطنبول والحمراء، كانت ذات أهمية بالغة بالنسبة للمراحل التالية من حياته المهنية. غير أن تجربة جونز في مصر قدر لها أن تحظى بتأثير أعظم بكثير على وجهات نظره المتعلقة بالعمارة مما تم إدراكه في السابق.

وربما كان جونز وغوري قد وصلا إلى الاسكندرية في أوائل الخريف عام 1832، ولم يقدر البقاء إلا لجانب يسير للغاية من رسوم رحلتهما، والرسوم التي بقيت من رحلتهما إلى مصر هي بصورة رئيسية لمحات تصويرية، غير أننا نعرف أن الصديقين قد سجلا زخرفات متعددة الألوان مثيرة للاهتمام حقاً مما وجداه في المواقع الأثرية، وأجريا دراسات قياسية للعمارة اعتمد عليها جونز طوال عمره.

(تم الإعلان عما إجماله 17 عملاً فنياً مصرياً في مزاد بيع رسومه بعد وفاته). في عام 1843، نشر جونز لوحاته عن النيل من القاهرة إلى الشلال الثاني، ومن الاسكتشات المرسومة في عامي 1832، و1833، بريشة كل من جونز وغوري. تحدثنا الأدلة المنتمية إلى الوقت الذي أمضاه جونز وغوري في مصر عن أن تاريخ وصولهما إليها كان يعني أنهما كانا يرتحلان في صعيد مصر في الوقت نفسه الذي تمت فيه جولة الاسكتلندي روبرت هيز الثانية في النيل.

وقدر لجونز أن تربطه صداقة امتدت طوال العمر مع الفنانين والمعماريين الذين ارتحلوا إلى مصر، وتسجل رسالة سطرها جيمس بيرتون وبعث بها إلى جوزيف بونومي في عام 1830، أن المعماريين كانا في القاهرة يقومان بالترتيبات الأخيرة لرحلتهما في النيل. وقد قدر لاسكتشات هذه الرحلة أن تبقى إلى اليوم في متحف فكتوريا وألبرت في لندن، ويوضح بعضها معبد أوب سنبل العظيم ومعبد كلابشة.

أنجز جونز وغوري دراسات مفصلة للغاية لكل المواقع النوبية لا يزال الباحثون يستخدمونها حتى اليوم. بحلول منتصف فبراير 1833، كان جونز وغوري قد عادا إلى طيبة، ويسجل المؤلف والرحالة جيمس أوغسطس سانت جون قيامه بزيارتهما خلال جولته في معابد الأقصر والكرنك على الشاطئ الغربي للنيل. يقول في هذا الصدد: «من شرفة داري الواقعة في الأقصر التي أقام بها جونز وغوري خلال بقائهما في المنطقة، استمتعنا بمشهد ممتد للسهل والأطلال في غربي طيبة، حيث تشكل الخلفية لها صخرة هائلة ومرتفعات جبال ليبيا».

وقد قدر للعديد من رسوم الجبال في هذه المنطقة أن تبقى وبصفة خاصة معبد آمون العظيم في الكرنك، حيث تلوح للعيان العظمة التي أعجب بها جونز في هذه الصروح، وهناك إحساس بالغ القوة بالتباين اللوني في هذه اللوحات بين الجبال الذهبية والسماء الزرقاء التي غذت ملاحظاته فيما يتعلق بتعدد الألوان المصرية،

غادر جونز وجوري طيبة قاصدين القاهرة في مايو 1833، وكان بقاؤهما هناك قصيراً للغاية، وزارا الاسكندرية كذلك. في القاهرة تأثر جونز كثيراً بجمال مسجد السلطان حسن والهدوء الذي يخيم عليه، ونحن نعلم منه أنه بسبب القيود المفروضة هناك، لم يقدر له أن يحظى بدخول هذا المسجد.

Email