البنى التحتية في دبي.. الأفضل بكل بساطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُقال إن الألفة تولّد الازدراء.. أنا أتحدّى هذه المقولة، فمن يحالفهم الحظ بيننا بالعيش في دبي، سواء كانوا مواطنين إماراتيين أو مغتربين، يندهشون دائماً بالمشهد المتغيِّر الذي يثير بلا شك حسد العالم بأسره. فما إن يُخيَّل إلينا أن الإمارة بلغت أقصى حدودها ولم يعد بإمكانها أن تتطوّر أكثر، حتى تفاجئنا وتقطع شوطاً إضافياً نحو الأمام.

من أكثر الأشياء التي أستمتع بها في الحياة، الرحلة التي أقطعها مشياً على الأقدام في الصباح للوصول إلى مكتبي في جميرا.

أنتهز الفرصة لأمتّع ناظرَيّ بالهندسة المعمارية الرائعة، والطرقات النظيفة، والنباتات الخضراء، وزقزقة العصافير، والوجوه المبتسِمة في كل مكان. نحن محظوظون جداً لأننا نعيش في بيئة تتمتّع بكل هذه الحيوية والتنوّع الثقافي، فيما يعم الأمن والأمان ربوع الإمارات، لا سيما عندما ننظر من حولنا ونرى أحوال عدد كبير من الدول المجاورة. لو كان الشيخ راشد، رحمه الله، بيننا لفرح كثيراً لأن رؤيته لم تتحقّق وحسب، بل توسّعت وتطوّرت كثيراً.

أنا ممتنّ على النعَم الكثيرة التي نتمتّع بها، ولا أنفك أذكّر نفسي بها يومياً، وأشكر الله تعالى على حكمة الشيخ راشد وأبنائه وتبصّرهم، فقد ظل أميناً لمبادئه في رعاية دبي ومواطنيها، وكأنه يعتني بحديقة منزله من أجل شعبه الذي كان يعتبره بمنزلة أبنائه.

لا أستهين أبداً بالأمور؛ ولعل السبب هو أنني أمضيت مرحلة الصبا في مواجهة الصعاب والمشقّات، في بيئة صحراوية قاسية تفتقر إلى الاحتياجات الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة والطرقات.

في صباي، لم أتخيّل قط، ولا في أغرب أحلامي، أنه ستخرج من الرمال مبانٍ شاهقة، ومطارات حائزة على جوائز، وفنادق ومنتجعات بغاية الفخامة، وجامعات مرموقة، ومستشفيات ومنشآت طبية حديثة، ومنشآت رياضية وترفيهية، ومراكز تجارية ضخمة، ومجارٍ مائية، ونوافير متراقصة، وشبكة مترو أوتوماتيكية ريادية. هذا التحوّل المذهل يُثبت لي أنه بإمكان البشرية أن تجترح المعجزات، من خلال العمل الدؤوب والتفاني والنِّعَم التي يغدقها عليها الخالق.

أعرب عن تهاني وامتناني العميق لكل من أدّى دوراً، سواء كبيراً أو صغيراً، في وضع دبي على الخريطة العالمية، بدءاً من حكّامنا الحكماء، وصولاً إلى المخطّطين الاستراتيجيين الاقتصاديين والمربّين وروّاد الصناعات والمديرين والموظفين الأوفياء، والرجال الذين تركوا عائلاتهم كي يكدحوا تحت أشعة الشمس الحارقة ويبنوا هذه المدينة حجراً فوق حجر، فلولاهم كنّا لنكتفي بتصاميم وخرائط هندسية يتراكم عليها الغبار على طاولات مجالس الإدارة.

لكنني أودّ في هذا المقال أن أسلّط الضوء على إنجازات إحدى الدوائر الحكومية، التي لا تحظى عادةً بالتقدير اللازم.

إنها هيئة الطرق والمواصلات في دبي، التي تأسّست عام 2005 من أجل «توفير شبكة نقل متطورة وأكثر أماناً وسلاسة» و«استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان والمساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد»، وهي مصدر اعتزاز لنا جميعاً.

إلى جانب مسؤوليتها عن الطرقات، تدير الهيئة أيضاً شبكة المترو التي تنقل عشرات ملايين الأشخاص أسبوعياً، ومنشآت النقل البحري المتنوّعة، مثل العبرة (التاكسي المائي) والباص المائي، وفيري دبي الذي أُطلِق خلال معرض المراكب عام 2011، وسرعان ما تحوّل بالنسبة إلى المقيمين والزوّار والسياح على السواء، الوسيلة الأكثر متعةً للقيام بجولة في الخور والواجهات المائية المتعددة. يتم بانتظام إطلاق خطوط جديدة يعبرها فيري دبي، آخرها الخط الذي يربط مارينا مول بمنطقة الغبيبة في خور دبي.

الطرقات والأتوسترادات والجسور في دبي لا مثيل لها في أي مكان، وتساهم إلى حد كبير في نمط العيش الأسطوري في المدينة وفي جمالياتها، فيما تحدّ من زحمة السير وتؤمّن سهولة الوصول إلى الوجهة المقصودة، وتساهم في الحفاظ على سلامة من هم خلف المقود.

كتبت صحيفة «غلف نيوز» عن هيئة الطرق والمواصلات في دبي: «لقد أمّن عملها المدهش شبكة طرقات عالمية الطراز»، ونقلت عن مسؤول في الهيئة قوله: «اليوم، أحد أبرز مكامن القوة في المدينة هو بناها التحتية». لا يستطيع أحد الاعتراض على هذا الكلام، وبما أنني أسافر كثيراً، يمكنني أن أجزم بأن البنى التحتية في دبي تتفوّق على سواها في مختلف أنحاء العالم.

بادئ ذي بدء، أودّ أن أحيي الفرق القيادية والإدارية التي تتألف بكاملها من مواطنين إماراتيين، في هيئة الطرق والمواصلات. لطالما أُعجِبت، أثناء تعاملي معهم، بدرجة المهنية العالية التي يتمتّعون بها جميعاً. فهم سريعو البديهة والاستجابة، وشديدو الترحاب، وبحسب تجربتي معهم، يبذلون قصارى جهدهم للتعاون مع الآخرين.

باختصار، إنها لمتعة حقيقية أن يتعامل المرء مع هؤلاء المواطنين الإماراتيين الديناميكيين والمواكبين للتطورات، الذين يترجمون حبهم لبلادهم فوائد ملموسة للمقيمين والزوّار على السواء.

ولا بد من التوجّه بالشكر أيضاً إلى الحكومة التي أنفقت ما يزيد عن 68 مليار درهم إماراتي، من أجل تحسين الطرقات والبنى التحتية، منذ تأسيس هيئة الطرق والمواصلات قبل تسعة أعوام.

لكن هيئة الطرق والمواصلات لا تقبل بأن تنام على أمجادها، فهي تنكب حالياً على إتمام الاستعدادات لمعرض «اكسبو 2020» الذي ستستضيفه دبي، وهي المرة الأولى التي يُنظَّم فيها هذا المعرض العالمي المرموق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وإذ يُتوقَّع أن يبلغ عدد الزوّار 25 مليون شخص، تدرس هيئة الطرق والمواصلات حالياً اقتراحاً لإضافة 18.5 كلم إلى خط المترو الأحمر، الذي من المقرّر أن يمتدّ من جبل علي إلى موقع المعرض، ويتضمّن 12 محطة في المجموع. ومن الخطط والمشاريع الأخرى توسيع خط الراشدية - مردف 3.5 كلم، وخط الجداف - المدينة الأكاديمية 20.6 كلم، من خلال إضافة خطَّين جديدين؛ الأرجواني والذهبي، والذي من المقرر تدشينه عام 2025.

بيد أن أحد أكبر التحديات التي تواجهها الهيئة الآن، يتمثّل في مواكبة وتيرة التوسّع السكاني في دبي، إذ بات عدد السكان يقارب مليونَي نسمة، وما ينجم عنه من زحمة سير. والهيئة المستعدة دائماً لاستنباط حلول غير تقليدية، طرحت فكرة التعاقب في مواعيد خروج التلاميذ من المدارس، واعتماد المرونة في ساعات العمل.

وفي الوقت الحالي، أمام الهيئة مهمة معقّدة تقتضي منها تسهيل إتمام مشروع قناة دبي المائية، الذي جرى الكشف عنه في الثاني من أكتوبر الجاري، عبر تحويل السير في شارع الشيخ زايد لفترة طويلة.

وستمتد القناة التي يبلغ طولها ثلاثة كيلومترات، من منطقة الخليج التجاري إلى الخليج العربي، مروراً بشارع الشيخ زايد وحديقة الصفا وشارع الوصل وشارع جميرا بيتش، وسوف تحيط بها من الجانبَين فنادق ومراكز سكنية وتجارية ومنشآت للتسوق والترفيه.

كل التحية والتقدير للرجال والنساء العاملين في هيئة الطرق والمواصلات، على إبداعهم ومناقبيتهم وإيمانهم بقدرتهم على الإنجاز والتنفيذ. لم يبقَ سوى أن نقول لهم: «تابِعوا العمل الجيد».. اجعلونا فخورين دائماً.. أنا واثق بأنكم ستنجحون في ذلك.

Email