«ناتو» بين سندان التاريخ ومطرقة التحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

حلت في إبريل الماضي الذكرى الخامسة والستون لإنشاء حلف شمال الأطلسي «ناتو»، الذي تأسس في ذروة الحرب الباردة، لوقف اجتياح الجيش الأحمر الكبير لأوروبا الغربية. وضم الحلف عام 1949 اثني عشر عضوا فقط، بما في ذلك أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة..

وكانت مهمته الرئيسية بسيطة، فوفقا لأول أمين عام له، اللورد هاستينغز إيسمي، تشكل الحلف لإبقاء الروس خارج لعبة السياسة الدولية، والأميركيين داخلها، والألمان على الهامش. ساد أوروبا الغربية خوف من الاتحاد السوفييتي، الذي استحوذ حينها على كل أوروبا الشرقية..

وكانت تخشى من عودة الجيش الأميركي إلى دياره بعد الحرب العالمية الثانية، على غرار ما فعل بعد الحرب العالمية الأولى، بشكل يتوافق مع ماضيه الانعزالي. ومزقت الحرب الديمقراطيات، التي خشيت من عودة ألمانيا سريعا لشن حرب أوروبية جديدة، للمرة الرابعة في أقل من قرن. وبعد خمسة وستين عاما، تحقق النصر في الحرب الباردة، التي انتهت منذ أكثر من ربع قرن..

وأصبحت ألمانيا بارزة، إلا أن الروس ليسوا مستبعدين، ويبدو أن أميركا لا تريد أن تكون في أي مكان من ذلك. تلك المفارقات تدفع ببعض الأسئلة، منها: هل هناك حاجة لحلف شمال الأطلسي في القرن الواحد والعشرين؟ هل يمكنه البقاء متجاوزا جدول أعماله الجديد ومهماته العسكرية؟

تدعو المادة الخامسة من ميثاق الحلف، جميع أعضائه لمساعدة أي دولة عضو تتعرض للهجوم. والمادة الرابعة نسخة مُخففة من تلك، وتلزم أعضاء المنظمة بالتشاور حول أعمال الدفاع المشترك، عندما تطلبُ منها ذلك الدولة التي تعرضت للهجوم. والغريب أن هاتين المادتين لم توضعا أبدا في الفعل خلال التهديدات النووية وقت الحرب الباردة..

وظهرتا على السطح أخيرا فقط، بسبب الهجمات الإرهابية وأزمات الشرق الأوسط والخوف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويعاني حلف شمال الأطلسي المتقدم في السن والمنهك الآن، من ثلاث مشكلات.

أولا، ضعف أوروبا عسكريا يعني لفترة طويلة أن «ناتو»، بسبب كل أهدافه العملية، هو منظمة الدول الحليفة لأميركا. والحماية الأميركية للأوروبيين جعلتهم يترددون في التضحية ببعض رفاهيتهم للدفاع عن أنفسهم.

ثانيا، هدد الرئيس الروسي بوتين، العديد من أعضاء الحلف من خلال صفقات الغاز والنفط. فماذا سيحدث لو نشرت روسيا عدوانها من جورجيا وأوكرانيا والقرم إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة ؟

تبدو إستونيا، العضو الصغير في الناتو، والتي تضم أقلية روسية كبيرة، المرشح المحتمل المقبل لمكائد بوتين. والتدخل الروسي في استونيا ربما لن يدفع الحلف للعمل بموجب المادة الخامسة، وفي حال فعل ذلك فمن المشكوك فيه أن جميع أعضاء الناتو سيشاركون في الحرب.

ثالثا، عَقدَّ توسيع العضوية من 12 إلى 28 عضوا مسؤوليات الحلف إلى حد كبير، وزاد من عوامل ضعفه. وتركيا أصبحت الآن مشكلة بارزة، فالرئيس التركي رجب أردوغان هو الآن في سنته الحادية عشرة من تقويض الديمقراطية..

وهو صديق للدول المعادية للولايات المتحدة، وقريبا ستكون تركيا دولة نووية كإيران. وأردوغان أيضا، يكثف علاقاته مع الدول التي مزقتها الحرب، مثل سوريا والعراق، ويتدخل بين الحين والآخر ضد كردستان شبه المستقلة والمؤيدة للولايات المتحدة. ولا تزال تركيا تشهد نزاعات حدودية مع اليونان، الدولة غير العضو في حلف شمال الاطلسي، لكن المتعاونة معه،..

وذلك في بحر إيجه وبشأن جزيرة قبرص، ولا يزال أردوغان يمقت رفض الاتحاد الأوروبي عضوية بلاده، وإذا حثت تنافسية أردوغان المتزايدة بدء حروب حقيقة، فمن المرجح أن يتعاطف الكثير من أعضاء الحلف الأطلسي بسهولة مع أعدائه. ومع كل هذا التصعيد، مارس أردوغان تطبيق المادة الرابعة أكثر من أي عضو آخر في «الناتو».

لا يعتمد الحلف بالكامل على أعضائه ماليا أو عسكريا، وأوجد توسعه التزامات غير ضرورية البتة، ويضم أعضاء تتناقض سياساتهم مع الفكرة الرئيسية لإنشائه، الساعية إلى الدفاع عن القيم الليبرالية الديمقراطية لأوروبا الغربية. وعليه قد نستيقظ في يوم قريب، لنشهد أن «الناتو» قد اختفى ببساطة.

 

Email