توسيع التحالف ضد »داعش« رهن بالموقف الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترك تنظيم »داعش« وراءه الدمار والخراب في كل مكان، واستطاع أن يحقق سيطرته على الأرض. لكن كما في حالة قبائل الجرمان والهان والمغول، فإن زرع الفوضى لا يعني أنه لن يستمر في السعي وراء أهداف جديدة لتدميرها.

وإذا لم يكبح جماحه، فإن »داعش« سيحول ما تبقى من دول الشرق الأوسط إلى قفار قبلية شاسعة على غرار مقديشو، من الساحل السوري المطل على البحر المتوسط إلى الخليج، وسيطلق بكل سرور على تلك الفوضى الناتجة تسمية »خلافة«.

ومن الأهمية أن تعمل الولايات المتحدة على إقامة نوع من تحالف حكومات صديقة في المنطقة ومن الدول الأوروبية، لوقف »داعش« قبل أن يصبح قاعدة دائمة للعمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وللأسف، من غير المرجح، على ما يبدو، أن تقوم الولايات المتحدة بإعداد تحالف قوي، على الأقل حتى يصل داعش إلى أبواب بغداد ويجبر ملايين العرب إما على القتال أو الإذعان.

ومعظم قادة الشرق الأوسط وأوروبا لا يعتقدون أن إدارة أوباما تعرف الكثير عن »داعش«، ناهيك عما يجب القيام به حياله. والرئيس أوباما لم يعر موضوع »داعش« اهتماما في الماضي، باعتبار أن هذا التنظيم عبارة عن فريق ناشئين يمكن التعامل معه، وذلك بما يتعارض مع التقييمات الوخيمة لوزير دفاعه ولرئيس أركانه المشتركة.

وعندما وعد أوباما أخيرا بتدمير »داعش«، تراجع وزير خارجيته جون كيري على الفور عن فكرة وجود حرب شاملة، ومدير الاستخبارات المركزية الأميركية الحالي جون برينان، سبق أن استبعد أي فكرة عن إرهابيين إسلاميين يسعون لإقامة خلافة حديثة، كأمر سخيف. وقد يكون هذا الأمر عبثياً، لكنه الآن حقيقي جدا. ومثل هذا الارتباك للأسف ليس جديدا، ويعلق الرئيس الأميركي آمالنا الآن في الميدان على الجيش الحر السوري، الذي اختار عدم مساعدته عندما كان في وقت من الأوقات خيارا ناجعا.

ومنذ وقت ليس ببعيد، رفضه بوصفه مجموعة من الأطباء والمزارعين الذين يفتقرون إلى الخبرة، والذين منفعتهم كانت في المعظم محض خيال. ولا يوجد حليف من حلفاء أميركا على يقين مما يريد أن يقوم به أوباما حيال الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سبق أن هدد بقصفه لاستخدامه أسلحة كيماوية قبل أن يتراجع عن الموضوع. ويشعر بعض الحلفاء أيضا بأن إدارة أوباما ستورطهم في هذه العملية، فقط لتفقد الاهتمام لاحقاً وتتركهم معلقين.

وعندما وصل أوباما إلى منصبه عام 2009، كان العراق هادئا في المعظم، وسرعان ما أعلن أوباما ونائب الرئيس جو بايدن، أنه آمن ومستقر، ثم سحبا جميع القوات الأميركية، وتفاخرا خلال حملته لولاية ثانية بانهما أنهيا الحرب، وقد تركا حلفاءنا العراقيين العرب والأكراد يدافعون لوحدهم عن أنفسهم ضد إرهابيين متشددين كان قد تعزز موقعهم فجأة.

وفي ليبيا، سارت الإدارة الأميركية تحت قيادة البريطانيين والفرنسيين في قصف نظام الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي لإخراجه من السلطة، لكنها بعد ذلك فشلت في مساعدة المنشقين للقتال ضد المتشددين، والنتيجة كانت كارثة بنغازي وما تمثله من صورة كاريكاتورية لاستراتيجية أطلق عليها تسمية »القيادة من الخلف«، ودولة فاشلة مثل أفغانستان في مواجهة أوروبا عبر البحر المتوسط. وأخيراً، طالب الرئيس الأميركي بإذن لقصف »داعش« بناء على قرار مشترك مضى عليه 13 عاما، وهو جهد تم بذله برعاية إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي طالما انتقده أوباما.

وإذا كان الرئيس الأميركي غير قادر على بناء قضية مقنعة أمام الكونغرس والشعب الأميركي لقصف »داعش«، فسيفترض الحلفاء أنه لا يمكنه بناء تحالف فعال أيضاً.

تراود الحلفاء شكوك حيال رغبة الولايات المتحدة في أن تتدخل في الخارج فعلا، وهم يراقبون الصين تستعرض عضلاتها في بحر الصين الجنوبي، ولم يشاهدوا بعد استراتيجية ناجعة لوقف العدوان المتسلسل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ومع مصر، فإن الإدارة بدت مرتبكة حيال ما إذا كانت ستدعم الحكومة المترنحة للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، أو جماعة الإخوان المسلمين المتشددة، أو الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، فقط لتقف في أوقات في معارضة الثلاثة.

ويبدو أوباما نفسه غير معني، إن لم يكن يشعر بالملل، بالشؤون الخارجية. وبعد أن استنكر علنا قطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي، توجه إلى ملعب الغولف. وعندما نقلت وسائل الإعلام حالة الاستياء، سخر من الأمر بكونه مسألة »بصريات« سيئة.

هناك سجال مشروع حول المدى الذي يجب أن تذهب إليه أميركا في حربها الوقائية للحيلولة دون التهام »داعش« لمزيد من الدول، لكن حتى الآن لم يدخل الرئيس الأميركي في هذا السجال، ناهيك عن الفوز به. فلا عجب أن يكون الحلفاء المحتملون لا يعلمون تماما ما الذي تقوم به الولايات المتحدة، وإلى متى ستستمر في القتال، وماذا سيحصل لحلفاء أميركا عندما تتعب على الأرجح، أو تستسلم للأمر الواقع، أو تغادر! إلى الآن، يتمسك معظم الحلفاء بموقعهم وينتظرون التحرك الأميركي الوقائي أحادي الجانب.

إذا بدأنا بهزيمة »داعش«، فإنهم قد يشاركون في القتال في نهاية المطاف، وإذا لم نفعل ذلك فلن يشاركوا. وهذه طريقة رهيبة لشن حرب متحالفين، لكننا نحصد ما زرعناه.

Email