محمد غني حكمت.. نحات بغداد المبدع

ت + ت - الحجم الطبيعي

ولد الفنان العراقي محمد غني حكمت في الكاظمية في العراق عام 1929، ورحل عن عالمنا في العاصمة الأردنية عمان في 12 سبتمبر 2011.

وفيما كنت أقلب في أوراقي في المغرب حيث أعيش الآن، صادفت مقالاً كتبه صديقي جبرا إبراهيم جبرا، وهو يدور حول محمد غني حكمت.

كتب جبرا في مقاله يقول: « بعد عامين من تأسيس جماعة الفن الحديث في بغداد في عام 1951، أصبح محمد غني حكمت واحداً من أكثر أعضائها حماساً، وكان المتصدي لقيادة الجماعة هو بالطبع جواد سليم، وكان حكمت واحداً من طلابه في معهد الفنون الجميلة، وكان مفعماً بأفكار أستاذه الذي أعجب به أشد الإعجاب، ولكنه أفلح في الحفاظ على شخصيته وعلى رؤيته. ويحسب لجواد سليم أنه في غمار إلهامه لتلاميذه، دفع بهم إلى اكتشاف القوى الكامنة فيهم».

ويشير جبرا إلى أن ما رشح من هذه النوعية من العلاقات كان النهج الأساسي في الاقتراب من الفن في إجماله في العراق. أي الوعي العميق بالتقاليد الفنية لبلاد الرافدين. وفي حقيقة الأمر أن هذا الوهم هو الذي ضم أعضاء الجماعة معاً.

تم ابتعاث محمد غني حكمت للدراسة في روما في إطار منحة دراسية على امتداد 7 أعوام. ومضت كل الأفكار التي ناقشها أعضاء الجماعة في الاختمار في ذهنه أخيراً، وبدأ شيء محدد يلازمه وهو الاهتمام الفائق بفن النحت السومري.

يتميز فن النحت السومري بالإيحاء بحميمية مميزة بين الفنان وموضوعه. وعادة ما كان يتم تفضيل الحجم الصغير، وهذه على وجه الدقة الطريقة التي قدر لمحمد حكمت اتباعها على امتداد السنوات التالية قبل أن ينطلق في إبداع أعمال صرحية.

وقد جلب حتى إلى هذه الأعمال الصرحية بعضاً من تلك الحميمية الخاصة، حيث تقوم هذه الأعمال على الأساطير والرموز القديمة التي أصبحت سمة من سمات فن النحت عنده.

كانت روما ضرورية بالنسبة إلى محمد غني حكمت، حيث أمدته بقوة دفع فنية وبمعرفة عميقة بالبرونز والرخام، وهما مادتان لم تتوافرا بكثرة في العراق في ذلك الحين.

أشاد النقاد الإيطاليون بالحيوية التي اتسمت بها أعمال محمد غني حكمت، وأشاروا إلى طريقته في توظيف واقعية مرصودة بحرص في إبداع التأثير القريب من الحالم وأعماله يمكن تحديد هويتها باعتبارها أعمالاً عربية.

كان محمد غني حكمت مصدر عون كبير لأستاذه وصديقه جواد سليم في صب التماثيل في فلورنسا، وعلى وجه التحديد برونزيات غني في صرح جواد سليم الشهير الذي نفذ في ميدان الحرية في بغداد عام 1961.

عاد الفنان إلى بغداد في أوائل الستينات واقترب إلى حد كبير من الروح القديمة المتجذرة في الفن العراقي منذ أقدم العصور، وهي روح الجمع بين التشخيصي والتجريدي، حيث نرصد الجانب الأول في الفن السومري ونجد الفن التجريدي يتحرك عبر الحضارات المتتابعة في العراق وصولاً إلى الفن العربي.

الكثير من أعماله النحتية تحولت إلى تكوينات تشبه الخط العربي والبحث عن الأسلوب الذي بدأ بحماس على يد جواد سليم ومدرسته، هيمن على خط حكمت في عمله.

وبالنسبة إلى حكمت فإن التجريدي يرتبط بالتجريد في الخط العرب وبالفن الزخرفي، وفي أبوابه الكبيرة المنحوتة في الخشب، أبدع نوعاً من التجريد الخطي المنعكس في روح العربسات القديمة أو الخط التقليدي.

من الصواب القول إن العراق قد فقد واحداً من كبار رموزه الفنية والثقافية بفقد محمد غني حكمت، وقد ترك هذا الفنان الرائد وراءه الكثير من الأعمال الفنية في بغداد، بما في ذلك تمثال شهرزاد وعلي بابا والأربعين حرامي، والكثير غيره. ونأمل أن تراثه سيحيا إلى الأبد تحت آفاق العراق رغم كل ما يعانيه هذا البلد من تمزق.

Email