مصالح عابرة وأصدقاء قلائل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لنحاول تصور متاهة من الأعداء والحلفاء والمحايدين في الشرق الأوسط. في عام 2012، كانت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على وشك قصف القوات التابعة للرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان العدو العلني رقم واحد على مدى بضعة أسابيع، لأنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، ولأنه كان مسؤولاً عن عدد كبير من الوفيات في الحرب الأهلية السورية، وتعداد الضحايا يصل الآن إلى 200 ألف قتيل.

وبعد أن تحولت الخطوط الحمراء للرئيس أوباما إلى اللون الزهري، نسي أمر سوريا. ثم ظهر تنظيم «داعش» مع قطع الرؤوس والصلب والاغتصاب والمجازر على امتداد مساحات شاسعة من العراق وسوريا.

وتقوم الولايات المتحدة الآن بقصف «داعش»، ويقول أوباما أحياناً إنه مازال يسعى إلى استراتيجية ضد الجماعات المتشددة، وفي بعض الأحيان يقول إنه يريد تقليصها إلى مشكلة يمكن التعامل معها، وفي أحيان أخرى إنه يرغب في حلها أو حتى القضاء عليها.

و«داعش» مازالت تحاول الإطاحة بالأسد، فإذا قصفت إدارة أوباما «داعش» الآن، فهل هي تقدم مساعدة للأسد؟ أو هل ساعدت إدارة أوباما «داعش» عندما لم تقصف الأسد؟ ثم هل يتعين على أوباما أن يقصف أحد الطرفين، أو الاثنين معا، أو عدم قصف أي منهما؟

وتعمل إيران حالياً على تسليح الأكراد، حلفاء أميركا الجديرين بالثقة في المنطقة والذين يحاربون من أجل حياتهم ضد «داعش»، ويحتاجون إلى مساعدة أميركية. وفيما تقوم إيران بمساعدة الأكراد والسوريين والعراقيين في القتال ضد «داعش»، هل تصبح طهران صديقة أم عدوة؟ هناك محوران في المنطقة، لكن لا مجال للنظر إلى خطوط تصدع سنية شيعية يمكن فهمها، بينما الجميع يقول إنه ضد تنظيم «داعش» السني المتشدد.

والوضع في مصر لا يقل تعقيدا، فقد ساعدت إدارة أوباما خلال الربيع العربي في إقناع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك للخروج من السلطة، ثم دعمت كلاً من الانتخابات الديمقراطية وجماعة الإخوان المسلمين المتشددة التي فازت في الانتخابات.

ولاحقا، لم تتفوه الإدارة إلا بالقليل عندما قام مجلس عسكري بالإطاحة بجماعة الإخوان المتشددة، التي كانت تعمل على تدمير الدستور الجديد. وأخيراً كانت أميركا ضد رموز سياسية مصرية قبل أن تؤيدها، ومع الإسلاميين قبل أن تقف ضدهم.

وقيل إن بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب أردوغان صداقة خاصة، لكن بناء على ماذا تحديداً؟ فأردوغان يعمل على خنق الديمقراطية في تركيا، وهو مؤيد قوي لحركة حماس، وفي بعض الأحيان من المعجبين بإيران. وتركيا الحليف في حلف شمالي الأطلسي «ناتو»، رفضت أخيرا السماح لفرق الإنقاذ الأميركية باستخدام أراضيها كمنطلق لمهمة إنقاذ للرهائن الأميركيين في سوريا، وفي النهاية تم قطع رأسي اثنين من هؤلاء الرهائن.

فماذا على الولايات المتحدة القيام به؟ ترك الشرق الأوسط وحده، والسماح للإرهابيين ببناء قاعدة تعمل على الوقود لشن هجوم آخر كهجوم الحادي عشر من سبتمبر؟ أما الخيار الأفضل من منظور واشنطن، فيكمن في الدعم دون تحفظ للمجموعتين المؤيدتين لأميركا في الشرق الأوسط، الإسرائيليين والأكراد، وإلا فإنه في مثل هذا المستنقع المعقد في الشرق الأوسط، توجد في الظاهر فقط مصالح مؤقتة عابرة تأتي وتمضي.

Email