تصنيف السنّة بين معتدلين ومتطرفين مسيء

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد الإعلام الغربي ينقل الحقائق كما هي في تغطيته للعالم الإسلامي، بل يسعى إلى تكوين آراء مشاهديه أو قرّائه عبر استخدام نعوت اعتباطية تعميمية، لا سيما عند الحديث عن المسلمين السنّة. وكذلك يتحمّل المسؤولون في الإدارة الأميركية، بما في ذلك الرئيس، مسؤولية ترويج الأفكار النمطية واستخدام توصيفات مثل «معتدل» أو «متطرف»، في محاولة لتصنيف المسلمين في هذه الخانة أو تلك. لطالما أثار هذا التصنيف المسيء انزعاجي، لكن نايثان لين، مدير البحوث في جامعة جورجتاون، سبقني للتعبير عما يختلج في نفسي.

ففي مقال كتبه في مجلة «نيو ريبوبليك» بعنوان: «كفوا عن استخدام مصطلح «المسلمين المعتدلين» فأنتم تساهمون في نشر كراهية الإسلام»، يتّهم «نيوزويك» و«إن بي آر» و«وول ستريت جورنال» و«رويترز» و«تايم» وسواها، بأنها تخطئ في استخدام كلمة «معتدل» لوصف بعض المسلمين الذين يلبّون مواصفات معيّنة مفضّلة. ويلفت لين إلى أن فكرة المسلم المعتدل كسولة فكرياً لأنها تقسم العالم إلى معسكرَين: المسلمين «الأخيار» والمسلمين «الأشرار». وهذا التصنيف يعني أن «كل المسلمين، وحتى يثبت أنهم أخيار - أو في هذه الحالة «معتدلون» - يُعتبَرون «أشراراً» أو ربما متطرّفين.

في الواقع، لا يمكن استخدام مصطلحات مثل «معتدل» أو «متطرف» للإشارة إلى السنّة الذين يشكّلون نحو 90% من المسلمين في العالم.

لا وجود لإسلام تقدّمي، ولا يمكن التخفيف من أركان الإسلام كي تتناسب مع أنماط الحياة العصرية، أو الانتقاء منها بما يتلاءم مع التفضيلات الشخصية. لا يمكن تغيير القرآن الكريم المنزل من الله تعالى.

ولذلك فإن مصطلح «المسلم المعتدل» خاطئ تماماً، ومن يستخدمونه يعرفون ذلك حق المعرفة.

وهو يستخدَم للإشارة تلطيفاً إلى المسلمين «الذين لا يشكّلون تهديداً» أو أولئك الذين يتبنّون القيم الغربية، أي المسلمين الذين لن يتسبّبوا في أية متاعب. يقول نايثان لين: «هذه هي المشكلة في هذا التصنيف العقيم للمسلمين المعتدلين، فهو يعني ضمناً أن الدرجة التي يتبنّى بها المسلم عقيدته الدينية تؤشّر إلى وضعه وما إذا كان مشروع إرهابي. بناءً عليه، لا بأس في الالتزام بصورة معتدلة بتعاليم القرآن، لكن إذا عبروا إلى عالم الصلوات اليومية، والتردّد إلى المساجد يوم الجمعة، ومعاذ الله، التقيّد بشعائر رمضان، فيصبحون فجأةً على احتكاك بالتطرّف». باختصار، لا وجود لمسلمين معتدلين، بل هناك مسلمون فقط.

ولا وجود لمتطرّفين إسلاميين، بل هناك فقط إرهابيون متعطّشون للسلطة، يستخدمون نسختهم المشوّهة عن الإسلام للتأثير في زمرة من الفاشلين المحبطين وإقناعهم بتفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة.

السؤال المطروح: هل يمثّل هؤلاء الأشخاص حالات شاذّة أم أنهم دمى تحرّكهم أيادٍ خفية؟ هل من مخطط سرّي مخبّأ في درج أحدهم في واشنطن، يهدف لإضعاف البلدان الإسلامية أو تقسيمها وتحويلها كيانات لا حيلة لها ولا قوة؟ هل نشهد على تطبيق الولايات المتحدة خططاً تضمرها منذ وقت طويل لتقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، وترك الدول المجاورة له تتهاوى، واحدةً تلو الأخرى؟.

بحسب الكاتب الحائز على جوائز، البروفيسور ميشال شوسودوفسكي، قد تكون الفوضى في العراق متعمّدة والهدف منها تفتيت البلاد. كتب شوسودوفسكي: «لم يعد في نية واشنطن السعي خلف الهدف الضيّق المتمثل في «تغيير النظام» في دمشق. يجري التخطيط لتقسيم العراق وسوريا على أسس طائفية - عرقيّة».

ويؤكّد أنه لدى الولايات المتحدة مخطط استخباراتي عسكري مدروس بعناية شديدة، مشيراً إلى أنها تدعم الفريقَين: استُبدِل الاحتلال العسكري الأميركي للعراق بأشكال غير تقليدية من الحرب.. الحقائق مشوَّهة.

المفارقة المُرّة هي أن الدولة المعتدية تُصوَّر بأنها تهبّ لنجدة دولة «العراق ذات السيادة».

الأسوأ من ذلك، تم تسييس التصنيف - معتدل أم متطرف ويجري تطبيقه بشكل أساسي على المسلمين السنّة وليس الشيعة. قبل أن يصبح السنّة ضحايا التدخّل الخارجي/ الاحتلال، في فلسطين وسوريا والعراق وإيران مثلاً، كانوا يعيشون بسلام داخل مجتمعاتهم، ويتعايشون مع أتباع الديانات الأخرى، ويجسّدون رسالة التسامح التي يدعو إليها الإسلام الحنيف. فعلى سبيل المثال، ليس للغضب الذي يُظهره السنّة في سوريا والعراق أية علاقة بالدين، بل بالقمع والتهميش والحرمان وهمجية الدولة، حيث يعيشون تحت رحمة من يستغلّون إحباطهم لتحقيق مآربهم الخاصة.

إنه لأمر مثير للصدمة أن الحل الذي اقترحه وزير الخارجية الأميركي للأزمة في العراق، هو تجنيد ثوار سوريين «معتدلين» - ليس واضحاً إذا كان يقصد بذلك «الجيش السوري الحر» - لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) داخل العراق، في حين أن أولويتهم الأساسية يجب أن تكون إنقاذ بلادهم من ديكتاتور ذبح مئات الآلاف من أبناء شعبه وزجّهم في السجون ومارس شتى أنواع التعذيب بحقهم.

قال كيري لزعيم المعارضة السورية أحمد الجربا: «على ضوء ما يجري في العراق، من الواضح أنه علينا التباحث في مزيد من النقاط المتعلقة بالمعارضة المعتدلة في سوريا، التي تملك القدرة على تأدية دور مهم جداً في التصدّي لتنظيم داعش والتغلب عليه، ليس فقط في سوريا، إنما أيضاً في العراق». ويوم السبت الماضي، أعلن كيري أن الولايات المتحدة أرسلت طائرات من دون طيار إلى العراق.

ولا شك أن ضحاياها لن يكونوا حصراً من مقاتلي «داعش»، بل ستحصد أيضاً أرواحاً في صفوف المدنيين السنّة، نظراً إلى توغّل المقاتلين بين المواطنين في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ومن المستحيل التمييز بينهم، تماماً كما هو الحال في باكستان وأفغانستان واليمن.

إنه مثال إضافي عن سلوك الولايات المتحدة التي تدفع بالآخرين للقيام بالمهام القذرة نيابة عنها، ويبدو أن هؤلاء سيحصلون على 500 مليون دولار أميركي، إذا تمكّن الرئيس أوباما من إقناع الكونغرس بالإفراج عن الأموال.

هل يعني ذلك أن البيت الأبيض يعطي الأولوية للعراق مقدِّماً الأزمة هناك على الأحداث في سوريا، وأنه قانعٌ ببقاء الأسد على عرشه الملطخ بالدماء، فيما يستخدم السنّة لمساندة رئيس الوزراء العراقي الفاقِد للشعبية والشرعية، بهدف إخماد انتفاضة سنّية ليس تنظيم «داعش» سوى أحد مكوّناتها؟ يتعرّض أهل السنّة للافتراءات وتشويه سمعتهم منذ وقت طويل جداً، دون أن يرفعوا الصوت عالياً للردّ بصورة جازمة على تلك الادّعاءات. نظراً إلى البيئة الخطيرة التي نعيش فيها حالياً، علينا أن نرصّ صفوفنا ونرفع رأسنا عالياً.

يجب أن نرفض رفضاً قاطعاً تصنيفنا من جانب أولئك الذين لا يفقهون شيئاً عن ديننا وجوهره الحقيقي. كونوا أباةً أقوياء! يمدّ المسلمون أيديهم إلى الآخرين، ويبذلون جهوداً حثيثة كي يحملوهم على فهمهم وتقبّلهم، خوفاً من الحكم عليهم جوراً، لكن علينا أن نكفّ عن الاعتذار عن أمور لا علاقة لنا بها، ولأشخاص لم نلتقِ بهم قط. حان الوقت كي نتوقّف عن التملّق بهدف استرضاء من نصّبوا أنفسهم ديّانين علينا في العواصم الغربية، ونأخذ زمام الأمور بأيدينا فنُصدِر بعض الأحكام بأنفسنا.

Email