عبد الله غول.. لا تُهن ذكاءنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن تركيا التي فقدت حظوتها لدى العديد من حلفائها العرب التقليديين، تسعى الآن إلى التودّد إلى إيران، على الرغم من الخلافات حول الملف السوري، وخير دليل على ذلك الزيارة التي قام بها أخيراً الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أنقرة، وهي أول زيارة لرئيس إيراني إلى تركيا منذ ثمانية عشر عاماً. صراحة، لا يهمّني إذا تبادل القادة الأتراك والرئيس الإيراني القبل والعناق.

وقد كشف أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لصحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة من لندن، أن الرئيس التركي شدّد خلال مباحثاته مع روحاني على الأهمية التي توليها أنقرة لأمن الخليج، قائلاً إن تركيا «تلتزم أمن دول مجلس التعاون الخليجي ورفاهها وتطلّعاتها، من دون أي تدخّل خارجي في شؤونها الداخلية».

يا له من كلام مطمئن! الآن أصبح بإمكاننا نحن أبناء الخليج أن ننام قريري العين لعلمنا بأن تركيا تحمينا. لكننا لسنا سذّجاً إلى هذه الدرجة. فقد حاول الرئيس غول باذلاً قصارى جهده أن يُظهر لمجلس التعاون الخليجي أن بلاده تهتم كثيراً بالحفاظ على العلاقات التجارية الثنائية وحسن النوايا.

وكانت العلاقات بين تركيا والسعودية، على وجه التحديد، قد تدهورت على خلفية احتضان أردوغان المستمر للإخوان المسلمين، فضلاً عن الإهانات التي وجّهها إلى الحكومة والجيش في مصر، لا سيما إعلانه بأن الرئيس السابق محمد مرسي لا يزال، في نظره، رئيس مصر. وقد أوضح الملك عبد الله في هذا الإطار، أنه لن يقبل بقيام دول أجنبية بمحاولات لتعطيل التقدّم في مصر، معتبراً أنه خط أحمر بالنسبة إليه.

لكن لنذهب بعيداً في مخيّلتنا ونفترض أن الرئيس التركي غول صادق في مشاعره. رداً على هذا السيناريو الافتراضي المستبعد جداً، أقول له مع فائق الاحترام إنه بإمكاننا أن نعتني بأنفسنا، ونحن نشكرك جزيل الشكر.

لا نريد من أحد أن يتحمّل مسؤوليتنا، فنحن مسؤولون عن أنفسنا، ويتمتّع قادتنا بالمؤهلات اللازمة، وأكثر، لحماية شعبنا وأرضنا وحدودنا وشواطئنا. صدور مثل هذه التصريحات عن رئيس دولة أجنبية - لا سيما دولة تقع خارج منطقتنا وليست لديها أي أصول عربية - ينمّ عن قلة احترام لاستقلالنا وسيادة أراضينا.

بدلاً من القلق على أمننا أو ادّعاء ذلك ينبغي على تركيا أن تكفّ عن حماية الإرهابيين وعن التآمر مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين للقضاء على مصر. على أردوغان وغول أن يهتمّا بشؤونهما الخاصة، فلديهما ما يكفي من المشكلات في الداخل مع تصاعد التململ المدني على خلفية الاتهامات بتفشّي الفساد على مستوى رفيع في الدولة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقمع حرية التعبير.

قبل وقت غير بعيد، كان أردوغان محطّ إعجابٍ لقيادته منظومة من الإسلام السياسي ساهمت في إحلال الاستقرار والازدهار في البلاد. لكن اتّضح أنه مستعدّ للتخلّص من كل من يجرؤ على تحدّيه وتهديده في منصبه. ويبدو أنه لم يعد قادراً على ضبط نفسه والتحكّم بأعصابه، وقد ظهر ذلك جلياً عندما صفع أحد المشاركين في احتجاج لعمّال المناجم، فيما كان معاونوه يرفسون آخر بهمجية.

الصورة المعتدلة التي يحاول الإيرانيون الآن إظهارها عن أنفسهم أمام المجتمع الدولي تهدف إلى دفع الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات المفروضة على بلادهم.

ففي حين كان روحاني يتودّد، قبل بضعة أيام، إلى مجموعة «خمسة زائد واحد» خلال المفاوضات حول البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، ألقى علي خامنئي كلمة أمام حشد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين كان بعضهم يحملون لافتات كُتِب عليها: «أميركا لا تستطيع فعل شيء». وقد استغلّ خامنئي المناسبة للتلميح بأن الرئيس أوباما لا يتحلّى بالجرأة لخوض المعركة، مضيفاً أن الجهود التي بذلها «الشيطان الأعظم» من أجل «تركيع إيران» قد فشلت.

Email