أين المجتمع الدولي فيما الكواسر تنهش سوريا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أتخيّل مطلقاً أنه سيأتي يوم نشهد فيه على نظام يمارس الذبح والتعذيب والتجويع في حق المدنيين العزّل، ويُطلق عليهم الغازات السامة، بلا رادع، ومع إفلات تام من العقاب. لا بد أنكم ارتعدتم لرؤية مشاهد الأطفال السوريين الذين نتأت عظامهم وانتفخت بطونهم.

ولا بد أنكم قرأتم قصص الأولاد والعجائز في مدينة حمص، الذين يجدون أنفسهم مضطرين لأكل العشب وأوراق الشجر والخنافس، كي يتمكّنوا من البقاء على قيد الحياة، وهؤلاء يُعتبَرون محظوظين.

لقد تعرّضنا جميعنا لوابل المشاهد والصور القادمة من سوريا، والتي يظهر فيها ضحايا الهجمات الكيميائية يتشنّجون ويرتجفون فيما يحاولون التنفّس لإدخال الهواء إلى رئتَيهم، المشاهد قاسية جداً، إلى درجة أنها غالباً ما تُرفَق بعبارة «ننصح المشاهدين بالحذر».

يعيش الملايين، 9.5 ملايين شخص، بحسب بعض التقديرات الذين نزحوا إلى البلدان المجاورة، في ظروف مريعة، حيث يشعرون بالإذلال، وبأنه غير مرغوب فيهم. فمتى سينتهي هذا كله؟

نظرياً، يستدعي مثل هذا الوضع تدخّل الأمم المتحدة، التي تأسّست عام 1945 بعد المأساة التي خلّفتها الحرب العالمية الثانية، من أجل «تحرير المدنيين من الخوف». فضلاً عن ذلك، يعيد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1674، الذي أُقِرّ عام 2006، التأكيد على مسؤولية حماية المدنيين العالقين في نزاعات مسلّحة.

لكن هذا الأسبوع، فقدت الأمم المتحدة ما تبقّى لها من مصداقية. فمقرّها لم يعد أكثر من مجرد مبنى جميل يُزيّن الأفق في نيويورك، صرح باهظ الثمن، حيث يُفكّر مسؤولون يتقاضون رواتب مرتفعة، في مشاكل العالم وأيديهم مكبّلة خلف ظهورهم.

يوم الخميس الماضي، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، من أجل إحالة المسؤولين عن جرائم الحرب في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، هذا مع العلم بأن 60 دولة، بينها 13 دولة عضواً في مجلس الأمن، دعمت مشروع القرار.

أليست هناك مشكلة خطيرة في منظومة تسمح لدولتَين فقط، بأن تحتجزا باقي العالم رهينة لديهما؟

لقد عمدت الصين وروسيا مؤخراً إلى تعزيز أواصر التعاون بينهما، عبر توقيع اتفاق بقيمة 400 مليار دولار أميركي في قطاع الغاز، ويعتقد بعض المعلّقين أنه يشكّل الخطوة الأولى نحو تشكيل كتلة اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية جديدة، في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا.

لا يخفى على أحد سجل الصين في مجال حقوق الإنسان، وتزداد الحكومة الروسية سلطوية وتعصّباً على المستوى القومي يوماً بعد يوم. وتستعرض الدولتان عضلاتهما الجيوسياسية، كما أن العلاقات مشحونة بين بكين وبعض الدول المجاورة الغربية الميول، بسبب خلاف على جزر غير مأهولة في بحر الصين الجنوبي، وكذلك بين بكين وفيتنام على خلفية منصة نفطية أقامتها الصين على بعد 120 ميلاً بحرياً قبالة الشاطئ الفيتنامي.

أما العلاقات بين موسكو من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى، فتقف على حافة الانهيار، بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتدخّلها المستمر في شرقي أوكرانيا. لا تبالي القيادات الصينية والروسية على الإطلاق بمعاناة السوريين العالقين وسط شد الحبال بين الشرق والغرب. لا عجب في أن المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، قدّم استقالته رافعاً يدَيه من المسألة!

مما لا شك فيه، أن أساس المشكلة التي تواجهها الأسرة الدولية في سوريا، يكمن في دعم الرئيس بوتين لنظام الأسد ونظيره الإيراني، الذي يحتضن ـ كما تعلم أجهزة الاستخبارات التابعة للقوى العالمية - المجموعات الإرهابية في سوريا، مثل «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«القاعدة»، رغم الاختلافات العقائدية، ويؤمّن لها التمويل والملاذ الآمن في إيران، كما ورد في تقرير نشرته صحيفة «الشرق الأوسط».

وقد كشفت معلومات مؤخراً أن الحرس الجمهوري الإيراني يجنّد لاجئين من أفغانستان للقتال في سوريا، عبر وعدهم بمنحهم 500 دولار شهرياً، زائد السكن والإقامة. تسهم إيران إلى حد كبير في تفاقم المعاناة، لكن على الغرب والعالم العربي أن يتحمّلا مسؤوليتهما.

تُعتبَر العاصمة السورية دمشق والمدينة الأكبر حلب، من أقدم المجتمعات المأهولة في العالم، وتزخران بالكنوز والمعالم التاريخية والدينية والثقافية التي تتعرّض الآن للتهديد وخطر الزوال. حتى لو وضعنا جانباً المعاناة الإنسانية، يجب أن تكون تلك الوقائع وحدها كافيةً من أجل حضّ المجتمع الدولي على التحرّك. فسوريا تقع في قلب العالم العربي النابض، والسوريون إخوة لنا.

لكن ماذا فعلنا، نحن العرب، لمساعدتهم ما عدا إرسال بعض الأموال إليهم بهدف إراحة ضمائرنا؟ لماذا نتكبّد عناء بناء الجيوش وشراء الأسلحة المتطوّرة إذا كنّا نكتفي بذرف الدموع لدى مشاهدة المجازر والدمار؟

أشعر بالحنين إلى زمن كانت فيه الهوية العربية عنواناً للعزّة والإباء. لكن بغض النظر عن إنجازاتنا السابقة، كيف لنا أن نشعر بالاعتزاز ونحن نجلس مكتوفي الأيدي منذ ثلاث سنوات، فيما نتفرّج على بشار الأسد يرتكب مجزرة جماعية تودي بحياة 160 ألفاً من أبناء شعبه، ويفتخر كثيراً بإنجازاته، إلى درجة أنه يترشّح لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثالث من يونيو المقبل!

تحوّلت المباني السكنية في المدن السورية أنقاضاً متفحّمة، السكّان محرومون من مياه الشرب، ويعانون من انقطاع التيار الكهربائي، أما المواد الغذائية الأساسية، فأصبحت ترفاً يستحيل الحصول عليه في بعض المناطق. وكيف يردّ الرئيس الأسد؟ يشنّ حملة للبقاء على كرسي الرئاسة.

وأكثر من ذلك، تهتف له بعض الدول العربية الخاضعة لسيطرة إيران، وتقبل به دول أخرى. في عهد الخلفاء، كانت الجيوش تلاحق من يستولون على جمال أو ماعز، فكم بالأحرى أولئك الذين يمارسون انتهاكات في حق الإنسان؟

إذاً، العرب يتجادلون ويتنهّدون، والقادة الغربيون يفركون أياديهم، والأمم المتحدة تلطم صدرها، وعمّال الإغاثة يستنجدون مطالبين بوضع حد لهذه الحرب الهمجية. وفي غضون ذلك يزداد الوضع سوءاً، فيسقط مزيد من الأشخاص ضحايا القصف والغازات السامة، وترتفع أعداد النازحين.

في لحظة عابرة، بدا الرئيس أوباما حاسماً في قراره، لكنه عاد فغيّر رأيه، وبدلاً من التحرّك، سمح للقاتل بمواصلة مجزرته شرط الإحجام عن استعمال الأسلحة الكيميائية. تعكس المقاربة الأميركية الضعيفة غياب الإرادة السياسية، وذلك خلافاً لاجتياح العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، واعتبره أمين عام الأمم المتحدة آنذاك، كوفي أنان «غير شرعي»، ناهيك عن الدور الذي أدّته واشنطن في حروب البلقان في التسعينيات، من دون أن تحظى بمباركة الأمم المتحدة. لا يسعنا سوى الاستنتاج بأن الولايات المتحدة التي نصّبت نفسها شرطي العالم، وقفت تتفرّج في المسألة السورية، في حين أن هناك حاجة ماسّة إليها، أما القادة العرب فيبدون وكأنهم يقولون: «أيقظونا عندما ينتهي هذا كله».

لماذا يُشيح العالم بنظره عن الفظائع التي تُرتكَب في سوريا، فيما يُظهر رد فعل قوياً حيال الأحداث الدائرة في أوكرانيا؟ هل السبب هو وجود مخطّط ما لسحق الأكثريات السنّية في الشرق الأوسط؟ للبحث صلة، في الانتظار، أترك لكم أن تتمعّنوا جيداً في هذه الفكرة.

Email