عاصمة السلام العاصمة من التطرف

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ختام مؤتمر دبي العالمي للسلام، تنادى الأئمة والعلماء المشاركون لتأكيد رسالة يصل صداها إلى العالم، مفادها وملخصها أن الإمارات باتت مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لتكون عاصمة السلام، والعاصمة من أفكار التطرف التي باتت تنتشر عبر فضاءات عشاق حياة الخفافيش والعناكب، ليصطادوا باسم الدين الكثير من المغرر بهم والمغرورين.

لم يعد خافياً على أحد حجم السآمة التي أصبحت بين الناس من مصطلح التطرف، وثمار التطرف ودعاة التطرف، حتى لم يعد أحد يطيق سماعه أو التفكير فيه، وفي المقابل أصبح الشوق لمصطلحات السلام والتعايش والوئام وقبول الآخر، لهفة جماهيرية متنامية، ورغبة إنسانية ممتدة، لا تقف أمامها حواجز الدين والثقافة والجنسية والأعراق.

المؤلم في هذا الموضوع أن الأصل في الإنسان أن يكون مع أخيه الإنسان سفيراً للسلام لا داعية للقتل، وأن تتسع الحياة لأفكارنا وحياتنا معاً، كما تتسع لهوائنا الذي نتنفسه معاً جميعاً، دون منافسة أو تصادم أو تقاتل.

فمن قسم الهواء بين الناس، أقام الحياة ليقتسمها الناس جميعاً، حياة وطموحاً وأفكاراً وحريات، وإلا فأين قيمة الاختلاف والتنوع الذي أراده الله تعالى، إذا كنا سنحمل الناس على قالب واحد يصبغ البشرية بلوننا، وإلا لا مكان لهم معنا!

أي فكر ذاك الذي تسلل إلى شبابنا وجعل رئاتهم تضيق بهواء الآخرين، وتختنق أدمغتهم بأفكار المخالفين، وترعرعت بين خلاياهم مفاهيم التطرف المنتنة، معززة بقراءات ملتوية لمعنى الحياة بسلام كما يريدها الله تعالى، فأصبح في قاموسهم الدموي المتشدد..

 «السيف أصدق إنباء من الكتب».. و«الأحمر أشرف الألوان لأنه لون الدم».. ولم تعد هناك فسحة ولو بسيطة لتطبيق قوله تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)).

أي تفكير هذا الذي لا يعرف سوى التكفير؟ أي تنوير هذا الذي لا يعرف غير التدمير؟ أي «إسلام» هذا الذي لا يعرف معنى السلام؟!

تعلمنا من أبجديات ديننا أن إفشاء السلام مفتاح الجنان، فكيف يفهم الدين أولئك الذي يروّعون الناس باسم الدين، ويصنفونهم كما يشاؤون بحسب القرب أو الابتعاد من أفكارهم، ويريدون أن يكونوا أوصياء على خلق الله تعالى، فيدخلون من يشاؤون في جنتهم ويصلون من أرادوا نيرانهم، فأي لوثة هذه!!

نعشق السلام لأنه الأقرب إلى فطرتنا، لا لأنه هروب من التزاماتنا، فنحن نعرف وجهتنا، ونفرق بدقة بالغة بين الدفاع عن حقوقنا وحماية حرياتنا، وبين نهب حقوق الآخرين وسلب حرياتهم.. نعشق السلام لأنه اسم الله تعالى، وندعو إليه البشرية جمعاء لأنهم عيال الله، وننصر قضايا الشعوب العادلة في شرق الأرض وغربها، لأنها الطريق إلى حياة السلام وعيشة السلام.

لا مكان هنا في الإمارات لشيء اسمه التطرف، وقريباً بإذن الله سيكون منبوذاً من شتى بقاع العالم العربي والإسلامي والعالم أجمع، لأن الشعوب باتت أوعى وأعقل وأنضج في معايير الرقي الإنساني، ولم تر في إفشاء التطرف إلا الدمار، وكلما بنينا في سلم الإنسانية لبنة فجرها تطرف أعمى ليعيدنا إلى كهوف الظلام.. فأي ضلال هذا!

نعم، نسير بعزيمة كبيرة وإرادة قوية لتأسيس قيم الخير والجمال والإنسانية والسلام، لأننا نؤمن بكرامة الإنسان، ونسلك طريق التعايش السلمي، لأنه أقصر الطرق لتتقدم البشرية، وغيره متاهات ستجعلنا ندور حول أنفسنا، فننتهي حيث بدأنا، ونبدأ من حيث انتهينا.

وإذا كانت مهمة تحقيق السلام العالمي تحتاج إلى جهود سنوات طويلة، فإن الإمارات كما أكد ذلك ضيوف الدولة من المفكرين والعلماء ودعاة السلام، لديها من الصبر والجلد الشيء الكثير، والمثابرة على تحقيق الكثير ولو بعد حين.

 

Email