أطفالنا والجريمة الإلكترونية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما لم يعهد عالم التسويق والتسابق لاقتناص المستهلكين تنافساً مطرداً كذلك الذي يعهده الفضاء الإلكتروني، فالتقنية والجريمة تسيران جنباً إلى جنب في تسارع محموم نحو مستخدمي هذه التقنيات لتقديم المنفعة أو سلبها، وتيسير الخدمات أو تسلقها لاقتناص المآرب المادية أو الشخصية أو غيرها.

وعالم الجريمة الإلكترونية كما يراه المختصون في مكافحة وتحليل هذا النوع من الجرائم المستحدثة، يحمل خطورته من كونه جريمة عابرة للحدود، فلا رقابة يمكن أن تنال من مجرميها، ولا ملاحقة مجدية يمكن أن تضبط مرتكبيها، هذا في أغلب الأحيان، وفوق ذلك لا يوجد رادع قيمي يمكن الركون إليه لضبط متسللين من شتى بقاع الأرض يسطون على خصوصيات الناس وهم جالسون بأمان على أرائكهم الوثيرة ربما في جزيرة نائية بعيدة عن أصابع الاتهام فضلاً عن أيادي القانون.

واقع جديد نعرفه ربما جميعاً ولكن أكثرنا مع الأسف يتجاهله ويتعاطى معه كأنه وهم غير مؤثر، وربما يعتقد الكثيرون أنهم بعيدون عن أطماع الطامعين، فيدفعهم ذلك إلى التساهل في أبسط قواعد الحماية فيقعون فريسة المبتزين.

قبل أيام أقفل المؤتمر الدولي لمكافحة جرائم تقنية المعلومات دورته الخامسة في الإمارات برعاية واهتمام من وزارة الداخلية، وشارك فيه نخبة من المختصين من الدولة وخارجها وحضره أعضاء السلطة القضائية والجهات الشرطية والأمنية والتقنية وأساتذة الجامعات وطلبة القانون والمستشارون القانونيون في الجهات الاتحادية والمحلية والقطاع الخاص، والموظفون من المؤسسات الحكومية والخاصة والمؤسسات الاجتماعية..

وهي مشاركة تظهر من مستوى مكوناتها حجم الاهتمام البالغ الذي توليه الدولة لهذا النوع من الجرائم التقنية الحديثة وتترجم مستوى الخطر الذي ربما تحمله على صعيد التحدي للتوجهات الطموحة للدولة نحو عالم التعاملات الذكية في الخدمات الحكومية ومستوى المهارات والاحتياطات الواجب اتباعها لبلوغ هذا الهدف الطموح والاستفادة من ثمراته مع أقل القليل من المنغصات وأشد الاحتراس من غوائل مثل هذه الجرائم.

الشيء اللافت في هذا المؤتمر وربما في أغلب المؤتمرات والمنتديات التي تناولت هذا الموضوع أنها تركز دائماً وقبل أي إجراءات قانونية على عامل التوعية والاحتياطات الذاتية، وكان من أبرز توصيات المؤتمر الأخير أنه ركز على شريحة اجتماعية هي أصغر شرائح المجتمع وهم الأطفال ليتم توجيه برامج التوعية إليهم في شؤون الجريمة الإلكترونية والحذر من غوائلها والاحتراز من المتربصين بهم على الشبكة العنكبوتية من أصحاب النفوس الضعيفة.

لا سيما وأن أطفالنا يحملون معهم براءتهم خصوصاً في مجتمعاتنا عند التعامل مع الآخرين ولا يعتقدون أن أحدهم ربما يضمر لهم الشر والأذى بحكم التربية المحافظة التي ننشئ عليها أبناءنا، وهو ربما من المداخل التي يصطاد من خلالها المخربون عقول هذه الفئات النقية وربما ما هو أكثر من ذلك.

وهنا تبرز الضرورة الملحة للاعتناء بجرعات التوعية لأبنائنا، عبر المناهج الدراسية والمنابر الإعلامية والتوعوية على اختلافها، ولا بد من اقتراب الأهل من أبنائهم وكسر جبل الجليد الذي فرضته التقنيات الحديثة على كثير من العلاقات الأسرية بين الوالدين وأبنائهم، حتى لم يعد البعض يعرفون أبناءهم وهمومهم، ويتركون لخيوط الشبكة العنكبوتية أن تسحبهم في لجة المجتمع الافتراضي ولا يعلمون أين ترسو بهم.

ثم من جانب آخر لا بد من تكثيف العمل على فكرة الثقافة القانونية لدى المجتمع بخصوص أمثال هذه الجرائم، وهي بلا شك جزء من فكرة تعميم الثقافة القانونية على اختلاف أبوابها وتضمين المناهج الدراسية بالمدارس الثقافة القانونية والأمنية المتعلقة بمخاطر تقنية المعلومات، ورفد الدوائر القضائية المتخصصة بجرائم تقنية المعلومات بالكوادر المؤهلة، وهي من المواضيع الدقيقة التي لا بد أن يعتني بها المجتمع المتحضر.

ومع ذلك وكما يؤكد ذلك الكثير من المختصين في الدولة وخارجها فإن الإمارات، ورغم الانتشار الواسع لوسائل الاتصال الإلكتروني، إلا أن الجرائم الإلكترونية في الدولة لا ترتقي إلى درجة الظاهرة، وهو ما يمكن عزوه بالدرجة الأولى إلى المرونة والاحترافية التي تتميز بها مؤسساتنا الأمنية.

وهو أيضاً ما ينبغي الحفاظ عليه من المتسللين من خارج الحدود، والمتساهلين من داخلها فكلاهما يهددان أمن البلاد ويأتيان على طموحاتها بالمستقبل الأحدث والأرقى والأذكى.

 

Email