المواليد يجب أن يكونوا مصدر الفرح لا القلق

ت + ت - الحجم الطبيعي

استقبال عضو جديد في العائلة هو واحدة من أسعد اللحظات في حياة معظم الأزواج. ومن يحالفهم الحظ بالعيش في دولة الإمارات يشعرون بالاطمئنان لأنهم يعلمون أن المنشآت الطبية في بلادنا لا تضاهى. بلادنا صديقة للطفل من مختلف الجوانب؛ ففي وطننا يستطيع الطفل أن يعيش في بيئة آمنة ومتعدّدة الثقافات ويُفيد من خيرة الخدمات التعليمية والترفيهية.

لكن بالنسبة إلى البعض، يمكن أن يتحوّل الطفل الجديد كابوساً يثقل كاهل عائلته بالديون ما يُهدّد بانفراط عقد العائلة. تثير هذه المسألة قلقي مؤخراً، ويجب التعامل معها بأقصى قدر من الجدّية. لقد طرحتها مع السلطات، وأشعر اليوم بأنه من واجبي أن أثيرها في وسائل الإعلام.

تملّكني حزن شديد عندما علمت بالمحنة المروّعة التي يمرّ بها صديق وافد مع أن الذنب ليس ذنبه. أنجبت زوجته ثلاثة توائم قبل الأوان فكان من الضروري وضعهم في الحاضنة لمدّة ستة أشهر كي يكتمل نموّهم.

وكأن هذه الصدمة لا تكفي للزوجَين اللذين تضرّعا إلى الله كي يعود الأطفال الثلاثة بصحة جيدة إلى المنزل، فإذا بهما يكتشفان أن فاتورة الاستشفاء التي تتوجّب عن رعاية المواليد الجدد تصل إلى 1.4 مليون درهم (381144 دولاراً أميركياً)! أي أكثر من كلفة تربية ولد حتى سن الواحدة والعشرين في المملكة المتحدة - ويشمل ذلك كلفة الغذاء واللباس والهوايات والتعليم. فبحسب دراسة أجراها مركز البحوث في الاقتصاد والأعمال عام 2014، يتكلّف الأهل 373000 دولار أميركي لتربية طفلهم.

ماذا يجري في بلادنا؟ ما عدد الوافدين، الذين يتراوح متوسّط راتبهم من 8000 إلى 18000 درهم، الذين يمكنهم تحمّل هذه الأعباء الطبية الباهظة وغير المتوقّعة؟ هل من الصواب معاقبة شخص على أمر غير منتظر، قوّة قاهرة لا يمكن توقّعها أو تخصيص موازنة لها؟ كيف تتوقّع السلطات من موظّف أن يعيل أسرته في الإمارات العربية المتحدة في مثل هذه الظروف؟

يجب ألا ننسى أن الوافدين الذين يعيشون ويعملون في الإمارات هم جزء لا يتجزأ من المجتمع ويساهمون في نموّه ونجاحه، ولذلك على الدولة أن توفّر لهم شبكة أمان كي لا يرزح الطيّبون والصالحون تحت وطأة هذا العبء الكبير.

لا تظننّ أن محنة صديقي هي حالة فريدة تنطبق عليه دون سواه، تصدّرت قصة مشابهة العناوين الرئيسة عام 2012. فقد كتبت صحيفة «غلف نيوز» عن جوزف، الولد البكر لفيليبيني يعمل في وضع المخطّطات والتصاميم وزوجته التي كانت تعمل سكرتيرة لدى وكالة إعلانات، والذي ولد قبل الأوان واحتاج إلى جهاز للتنفّس الاصطناعي طيلة 35 يوماً.

«تحوّلت بهجتهم صدمة عندما علموا أن كلفة التنفّس الاصطناعي في اليوم الواحد هي 3900 درهم. ومع بلوغ الكلفة الإجمالية 135500 درهم (36889 دولاراً أميركياً)، لم يكن أمام الوالد المذعور من خيار سوى مناشدة الجالية الفيليبينية وأصدقائه عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدتهما.

وفي وقت سابق هذا العام، لم يستطع والد نيجيري وكذلك والدة فيليبينية اصطحاب طفليهما اللذين وُلدا قبل الأوان إلى المنزل بسبب فاتورة الاستشفاء التي بلغت 80000 درهم (21780 دولاراً أميركياً)، و275000 درهم (73508 دولارات) على التوالي. يحتاج الأطفال إلى الرابط الحميم مع أمّهاتهم؛ يحتاجون إلى الحب والرعاية، والأم وحدها قادرة على تأمينهما. لكن يجري التعامل معهم وكأنهم ثانويون.

الأزواج المسؤولون الذين يعملون بكدّ، ويتمنّون فقط أن يُرزَقوا بطفل تُبارك بسمته منزلهم، لا يستحقّون أن يُعامَلوا بهذه الطريقة - لا سيما في أحد البلدان الأكثر ثراء في العالم والذي يسعى باستمرار ليكون الأفضل. نحن نعتزّ عن حق ببنيتنا التحتية العالمية الطراز ونمط حياتنا الذي نُحسَد عليه، لكن عندما نتطلّع نحو القِمم، علينا أن نطمح أن يكون الجميع معنا.

يتعاطف الإماراتيون بطبيعتهم مع الآخرين، بتوجيه من إيماننا وثقافتنا اللذين يدعواننا إلى الوقوف بجانب من هم في مأزق. يجب أن يعكس مجتمعنا هذه الخصال التي فُطِرنا عليها في كل النواحي، وألا نسمح للجشع بأن يشوّه سمعة الإمارات.

أدرك تماماً أن المستشفيات تحتاج إلى تحقيق أرباح، لكنْ ثمة خيط رفيع بين الربح والاستغلال. آمل حقاً بألا يعيش أحد في الإمارات بعد الآن المعاناة التي قاساها صديقي وكثرٌ سواه.

يجب تهنئة الوالدَين اللذين يُرزقان بمولود جديد، لا معاقبتهما. ولذلك أناشد وزارة الصحة تنظيم الأسعار في المستشفيات العامة والخاصة، ودراسة إمكانية إنشاء صندوق كي لا يكون أي طفل رهينةً في بداية مشواره في هذه الحياة.

Email