مصر.. المطلوب رئيس بمواصفات قائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حسم الأمر بعد طول ترقب، فطلب الشعب المصري من القائد العام للجيش الوطني هو أمر لا يرد، "لأن الجيش في النهاية هو ملك للشعب".. هذا هو المعنى الوحيد لما عبر عنه المشير عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية، مجددا عزمه الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، استجابة للنداء الشعبي المسموع بوضوح على امتداد مصر.

المشير السيسي ترجم هذا المعنى عندما قال بوضوح ومن أكاديمية ناصر العسكرية مؤخرا: "لا يوجد إنسان محب لوطنه ويحب المصريين يتجاهل رغبة الكثير منهم أو يدير ظهره لإرادتهم، وأنا أعمل في إطار وظيفتي الحالية كوزير للدفاع، وهناك العديد من الإجراءات والالتزامات التي يجب الانتهاء منها في ظل الظروف والتحديات الصعبة التي تمر بها مصر حالياً"..

مضيفاً أن "هناك مسؤوليات وقيماً ومبادئ يتحتم الحفاظ عليها لأي إنسان في موقع مسؤولية عند الإعلان عن الترشح لهذه المهمة، وأن الأمر يختلف بالنسبة لأي مواطن آخر لا يشغل منصبا رسميا، فله من الحرية ليتصرف كما يشاء، الأيام الجاية ستشهد بإذن الله إنهاء الإجراءات المطلوب تنفيذها بشكل رسمي، وأدعو الله أن يكون في ذلك خير من أجل مصر".

هذا التصريح الثالث من نوعه، أشاع موجة من الفرحة والأمل بين جماهير مؤيديه، وحالة من الوجوم بين جماعات معارضيه، والألم لدى أعداء تحالف الشعب والجيش والشرطة، وجواً من اليأس وفقدان الأمل بين فلول الإخوان وجماعات الإرهاب، بعدما أصبح الشعب قبل الجيش والشرطة، هو الذي يرفضهم ويتصدى لهم، وبعدما أصبح الشعب هو القائد الأعلى لجيشه الوطني، وأصبح القائد العام يعتبر طلب الشعب أمراً لا يرد.

لقد سبقه التصريح الذي أطلقه السيسي في مقابلة مع صحيفة "السياسة" الكويتية، في فبراير الماضي، ردا على سؤال عن نيته الترشح قائلاً: "نعم، لقد حسم الأمر وليس أمامي إلا تلبية طلب شعب مصر"، وسبق ذلك تصريح في مؤتمر عام رد فيه على هتافات الحضور له بالترشح، قائلاً: "لن أتقدم للترشح إلا بطلب من الشعب وقبول من الجيش"، وهو ما حرص عليه استلهاماً لمعنى الحديث النبوي الشريف القائل "طالب الولاية لا يولى"، أي اعطوا الولاية لمن لا يطلبها، وليس لمن يطلبها.

وهذا الكلام هو العنوان الرئيسي لعلاقة الثقة التاريخية والدعم المتبادل بين الشعب والجيش في مصر، وهو ما شهدناه في كل المعارك الخارجية ضد الاحتلال والتبعية، مثلما حدث في وقوف المقاومة الشعبية مع قوات الجيش المصري في مواجهة قوات الاحتلال الإنجليزي الغازية لوأد الثورة العرابية..

وفي التصدي المشترك للعدوان الثلاثي الفاشل لإسقاط الثورة المصرية، سواء في تحمل تكاليف الهزيمة عام 67 أو في تحمل أعباء النصر عام 73.. وكذلك في كل الثورات الوطنية من أجل الاستقلال والحرية والعدالة والتنمية، سواء عندما كان الجيش طليعتها المعبرة عن الضمير الوطني والشعبي..

حيث خرجت جماهير الشعب لدعمه كما حدث في ثورة سبتمبر 1881 بقيادة البطل أحمد عرابي ضد الظلم والاحتلال، وكما حدث في ثورة يوليو 1952 بزعامة المناضل جمال عبد الناصر لتحقيق العدالة والاستقلال، أو عندما كانت جماهير الشعب في مقدمة الثورة الشعبية في يناير 2011 ويونيو 2013، ووقف الجيش من ورائها حامياً وداعماً وحاسماً.

ومع أن دستور ما بعد ثورة يونيو لم يعزل أحداً ولا يقصي أياً من القوى الوطنية أو السياسية الشرعية، على خلاف دستور ما بعد ثورة يناير، وفتح الأبواب لكل المواطنين الذين تنطبق عليهم الشروط الدستورية والقواعد القانونية، طبقا لقانون الانتخابات الرئاسية الذي على وشك الصدور، فترشح أي مواطن مصري يملك الأهلية والشعبية أمر يجب أن يكون مرحبا به، سواء ممن لهم خلفية عسكرية أو خلفية مدنية، والشعب هو الذي سيقرر في النهاية من هو الرئيس القادم لمصر..

لكن الغالبية الشعبية كما هو واضح، لا تتغافل عن أن مصر الآن في حالة حرب حقيقية مع أعداء الوطن في الخارج، وأدواتهم أعداء الشعب والجيش والشرطة في الداخل، بهدف إشاعة الفوضى والاحتراب الأهلي لهدم الدولة واستباحة الوطن، في ظل حرب دعائية ونفسية سوداء، تستهدف الوقيعة بين مكونات الوطن وإشاعة اليأس في نفوس جماهير الشعب...

وهو ما لا يصلح في مواجهته إلا قائد وطني ومقاتل شجاع، تمرس على الحرب وخبر معاركها.. وليس رئيساً مدنياً بغير شعبية كافية، أو بذكاء محدود وقدرة على الكلام وجهل بإدارة شؤون الحكم، أو رئيس مغامر يجرب أفكاره في الشعب المصري، بينما لا يعرف ظروف الحرب التي تخوضها مصر الآن ضد الإرهاب في الداخل، والقادم عبر الحدود من الخارج..

وهذا يعني بوضوح أن ما تمر به مصر الآن، يتطلب رئيساً له أكبر قدر من الإجماع الشعبي، وأكبر قدر من محبة الشعب، وأكبر قدر من حجم الثقة فيه وفي قدراته وأهليته على حمل أمانة المسؤولية الوطنية، وفي أمانته في التعبير عن الأماني الوطنية في الاستقلال الوطني، والأماني الشعبية في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحرية السياسية والكرامة الإنسانية..

مصر الآن في مرحلة لا تتحمل مزايدات ولا مناقصات، ولا شعارات ولا شائعات، ولا تتطلب إلا الوطني قبل السياسي، والشعبي قبل الحزبي، ومن هو أمين وقادر وصادق.. مطلوب أن يكون الرئيس القادم لمصر طبقا لإرادة الشعب في انتخابات ديمقراطية حرة، بمواصفات قائد ثورة وبقدرات قائد جيش، لتحقيق العبور الثالث من التحديات الصعبة إلى الاستجابات الممكنة، بتعاون وثيق بين القيادة والشعب، ومما يعانيه المصريون إلى ما يتطلعون إليه.

 

Email