المواطن.. حق مهم وواجب أهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما الذي يمكن أن يستحضره الخيال، في سعة أفق وإخلاص حكومة تعقد الاجتماعات تلو الاجتماعات، والمؤتمرات تلو المؤتمرات، لبحث كيفية إسعاد مواطنيها، وتطرح مجالات التنافس مفتوحة على مصراعيها لكل من يستطيع أن يأتي بخير، يعود بصورة أو بأخرى على راحة أبناء الوطن، وتذليل الصعاب أمامهم؟

ليست حكومة من الخيال الجامح والمدينة الفاضلة الأفلاطونية، بل هي ببساطة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي يكرر دوماً ويقول إن «أولوياتنا في إسعاد المواطنين وتحقيق رفاهيتهم لم تتغير، فمواطنونا هم وسيلة تحقيق التنمية وغايتها، كما أن سبل الإبداع في تطوير العمل الحكومي لا حدود لها».

لكن في المقابل، ما الذي يمكن أن يفرضه الواقع على أبناء هذه الحكومة لتتناغم المسيرة «الإسعادية»، إن جاز التعبير، فيكتمل رد الجميل من الطرفين لمصلحة الطرفين والوطن قبل ذلك وبعده؟

وإذا كنا قد تعودنا أن نبسط القول مراراً حول ما يريده الشعب من حكومته، وما تبادر هي بإبداعه وتذليله للمواطنين، إلا أننا نرى لزاماً بين الحين والآخر، أن نبسط القول أيضاً حول واجبات المواطن، والتي تعد بمصطلح القانون الإنساني، التوأم لحقوقه المدنية، فلا حقوق من دون واجبات، والعكس مقرون بالعكس.

لن نزايد ولن يلومنا أحد، إذا قررنا أن بلادنا المفتوحة الذراعين بصدر رحب ووجه باسم لكل شقيق وصديق وكل زائر ومقيم، لن تجد أغير عليها ولا أخلص لها من أبناء ترابها، مع أننا نعلم علم اليقين أن الكثيرين ممن وفدوا وأقاموا وعملوا واستثمروا في أرضنا، حملوا إخلاصهم لمصدر رزقهم معهم، فأعطوا هذه البلاد الكثير كما أعطتهم الكثير، وردوا الجميل على أكمل وجه غير منقوص ولا منبوذ، فكانوا مثل أبنائها.

لكننا مضطرون لأن نعيد توضيح خرائط المسؤوليات لأبناء وطننا بين الحين والآخر، لأنهم هم المعنيون في نهاية الأمر بالعملية التنموية، وعليهم ومن أجلهم تدار التخطيطات الاستراتيجية والرؤى الحكومية، التي تطمح لأعلى المستويات عالمياً.

والحقيقة أننا لو رحنا نعصر فكرنا لنرسم صيغة لواجبات المواطن، لن نجد أبلغ من تلك الإشارات التي وضعها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله تعالى، مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها، فمن أقواله نستخلص الكثير من الواجبات التي يطيب ذكرها والتذكير بها.

وإذا كانت توجيهاته في هذا المضمار كثيرة جداً، إلا أنني أقف عند ثلاثة أركان تربوية تأصيلية، حث عليها بنظرة ثاقبة وكأنه يستشرف المستقبل.

أولها كما يقول رحمه الله، أنه «من أولى واجبات المواطن أن يعمل ليلاً ونهاراً لرفع مستواه، وبالتالي رفع مستوى أمته.. ولا يجب أن يقنع هذا المواطن بأنه نال شهادته واستلم منصبه ثم يجلس لا يفعل شيئاً».

وهذا مبدأ أثير، لا تزال المناهج الحكومية تستثير فيه مكامن العمل والسعي والجهد، لتخرج في المواطن أفضل ما عنده، وترصد العديد من المكافآت والفرص لكل طالب علياء أو ساع نحو قمة يرفع بها اسمه واسم وطنه.

أما ثاني هذه الأركان فهو ذاك الداء العضال، الذي إذا تسلل إلى أي جهاز نخر فيه كالسرطان، ولن تجدي عند ذلك الخطط ولا البرامج والأعمال، ما دام هذا الداء يحجز مكانه في كبد الوطن.. إنه داء الفساد. وفي ذلك يقول رحمه الله: «إن الفساد هو الفاحشة الكبرى.. الفساد لا يفلح أمة.. وهو مرض يجب استئصاله وبتره، لأنه معدٍ ولا يجوز السكوت عليه.. وعلينا أن نعالج الفساد ونمنعه، لأننا لا نريد أن يكون بيننا مريض بهذا الوباء الذي يلطخ الدولة ككل ويلوثها».

وثالث هذه الأركان هو الفكر الملوث! فها هو المغفور له بإذن الله يتحدث ببصيرة القائد وقلب الأب فيوصي: «احذروا يا أبنائي من التيارات المسمومة التي تأتيكم من الخارج، ولا تقربوها ولا تعملوا بها.. اعملوا ما ترونه مفيداً وصالحاً للوطن، من أجل تحقيق المزيد من النمو والازدهار والتقدم والنهضة للمواطنين والمقيمين».

العمل المثابر وتجنب الفساد والحذر من الفكر المشبوه، ثلاثة أركان لا بد من التفكير فيها ملياً والتركيز عليها، لتكتمل دائرة الحقوق والواجبات بين الوطن والمواطن.

 

Email