ألوان أوباما الحقيقية يحيط بها الغموض

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصية ملهمة جداً! فقد وصل إلى السلطة راكباً موجة من التغيير الإيجابي. كان خطابه المفعم بالآمال ساحراً وجاذباً. كنت مقتنعاً بأنه الشخص المناسب في المكان المناسب، وبأنه يجسّد في شخصه معاني الإنسانية العطوفة، وبأنه مصمّم على الفوز بالقلوب والعقول داخل حدود بلاده وخارجها - وذلك على النقيض من سلفه جورج دبليو بوش الذي شوّهت سياساته الخارجية العدوانية سمعة الولايات المتحدة التي كانت تُعتبَر قوّة للخير.

عدد كبير ممّن دعموا أوباما عام 2008 سامحوه على إخفاقه في الوفاء بمعظم الوعود التي قطعها قبل انتخابه رئيساً للجمهورية - تعهُّده بإغلاق سجن غوانتانامو، والمساعدة على إقامة دولة فلسطينية، وسحب جنوده من أفغانستان بحلول منتصف عام 2011 ومدّ يده إلى العالم العربي - نظراً إلى أن الرؤساء الأميركيين يتوخّون عادة الحذر في ولايتهم الأولى سعياً إلى الفوز بولاية ثانية.

وبعد تحرّر أوباما من القيود في ولايته الثانية، عقدنا الآمال عليه للقيام بما يلزم. لكننا كنّا على خطأ. تستمرّ الهجمات بالطائرات من دون طيّار على أفغانستان وباكستان والتي تتسبّب بمصرع المدنيين الأبرياء.

ليست عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية سوى مهزلة تدور خلف الكواليس للتغطية على توسّع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وبدلاً من أن يقود بلاده للتقرّب أكثر من حلفائها في الشرق الأوسط والخليج، دفعت قراراته بالسعودية ومصر وحتى إسرائيل، ذراع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، للسعي إلى الاعتماد أكثر على الذات.

وقد خاب ظن الشعب الأميركي أيضاً لأسبابه الخاصة. اليوم، تبلغ نسبة التأييد الداخلي لأوباما، بحسب استطلاع أجراه معهد "غالوب"، 39 في المئة فقط، أي أقل بنقاط عدّة من نسبة التأييد للرئيس بوش في المرحلة نفسها من رئاسته.

يبدو أن أوباما يفتقر إلى الشجاعة لتنفيذ قناعاته، وقد لقّبته الصحف بـ"المتردّد الأول". لكن هل يعاني فعلاً من التردّد أم التفكير المشوّش؟ أم هل أن تلك "السمات في شخصيته" هي واجهة متعمّدة يخفي وراءها أجندة ضبابية في السياسة الخارجية أو حتى إيديولوجية شخصية يحجبها عن الشعب الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة؟

لا أكترث لنظريات المؤامرة، ولست من النوع الذي يوجّه أصابع الاتهام من دون التأكّد من الوقائع. لكنني مذهول من التقلّبات التي بدرت عن أوباما في الأشهر الأخيرة، والتي أثارت روع شركاء أميركا في المنطقة.

فعلى سبيل المثال، لماذا ينتقد البيت الأبيض باستمرار الحكومة المصرية في حين أنه التزم الصمت عملياً إزاء المراسيم السلطوية التي أصدرها مرسي وحملة القمع التي شنّها ضد المحتجّين خلال الشتاء الماضي؟

عندما زار النوّاب الأميركيون ميشيل باكمان وستيف كينغ ولوي غومرت القاهرة في سبتمبر الماضي، خاطبوا الشعب المصري بالقول "نحن هنا بصفتنا أعضاء في الكونغرس لنقول إننا معكم، نشجّعكم لأننا نمرّ معاً في المعاناة نفسها، فالولايات المتحدة ومصر تواجهان العدو نفسه، ألا وهو الإرهاب".

يرتعد الأميركيون لمجرد سماع كلمة "إرهاب"، لكن على الرغم من أن مصر تعاني من ويلات الهجمات الإرهابية منذ إطاحة مرسي من السلطة في الثالث من يوليو الماضي تحت وقع المطالب الشعبية، ارتأت الولايات المتحدة التي تدّعي أنها تدعم "إرادة الشعب"، أن تعاقب وتدين الدولة العربية الأكبر على محاولاتها كبح العنف. في هذا الإطار، تُطرَح أسئلة مهمة تحتاج إلى أجوبة:

أولاً، ما صحّة المزاعم التي تدّعي أن مالك حسين أوباما، الأخ غير الشقيق للرئيس أوباما، الذي يتولّى إدارة مؤسسة باراك إيتش أوباما، هو السكرتير التنفيذي لـ"منظمة الدعوة الإسلامية" السودانية المرتبطة بـ"الإخوان المسلمين" والتي يرأسها نائب الرئيس في إحدى منظمات جمع التبرّعات التابعة لحركة "حماس"؟ وبمعنى أدق، لماذا نأت وسائل الإعلام الرئيسية بنفسها عن التقصّي بشأن هذه المسألة؟

ثانياً، هل موّلت إدارة أوباما سراً حملة الإخوان السياسية في مصر كما أعلنت محطات تلفزيونية مصرية عدّة وإذا كان هذا الأمر صحيحاً، ما الدافع وراء ذلك؟ قال سعد الشاطر، نجل القيادي البارز في جماعة "الإخوان المسلمين" خيرت الشاطر، لإحدى وكالات الأنباء في الأناضول إن عائلته "تملك أدلّة" تثبت ارتباط أوباما مباشرة بالإخوان، مهدّداً بكشف هذه الأدلة على الملأ في حال لم تُفرج السلطات المصرية عن والده؛ ولم ينقضِ وقت طويل حتى اعتُقِل هو أيضاً.

ثالثاً، هل النائب الأميركي السابق ألن وست محق في زعمه بأن "الإخوان المسلمين" تسلّلوا إلى إدارة أوباما؟ في يونيو 2012، حثّ وست الرئيس على التخلي عن الإخوان، ولاحقاً كتب على صفحته عبر موقع "فايسبوك": "ثمة مجموعات وأشخاص تابعون للإخوان المسلمين تسلّلوا إلى إدارة أوباما الحالية".

إذا كان البيت الأبيض محتَلّ فعلاً من "الإخوان المسلمين" أو خاضع لتأثيرهم، لا عجب في أن إيران أصبحت فجأة صديقة أميركا المفضّلة، حتى لو كانت الولايات المتحدة تعرّض بذلك علاقتها مع إسرائيل لتهديد جدّي، مع العلم بأنه لطالما اعتُقِد أن هذه العلاقة غير مقيّدة بأي حدود. في الواقع، لم يسبق أن قام قائد أميركي بمثل هذه الانعطافة الدراماتيكية متجاهلاً تماماً المخاوف الأمنية الإسرائيلية.

وفي هذا السياق أيضاً، تُطرَح أسئلة ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى السعودية والخليج:

لماذا تراجع أوباما في اللحظة الأخيرة عن العمل العسكري الذي كان يهدف إلى تدمير الترسانة الكيميائية السورية، فترك بذلك الشعب السوري ليواجه مصيره وتخلّى عن "الجيش السوري الحر" الذي ادّعى دعمه تاركاً إياه في حالة من العجز التام؟

لماذا يبدي أوباما استعداداً لإثارة نفور حلفاء الولايات المتحدة الموثوقين، مثل السعودية وإسرائيل، من أجل الإبقاء على نظام الأسد في السلطة وتعزيز العلاقات الأميركية مع داعميه لا سيما إيران؟

ما الذي دفع أوباما إلى التهديد باستخدام حق النقض (الفيتو) لوقف مشروع قانون في مجلس الشيوخ يهدف إلى فرض مزيد من العقوبات على إيران في 19 ديسمبر، لا سيما وأن عدداً كبيراً من أعضاء الكونغرس يعارض أي انفراج في العلاقات مع إيران؟

لسوء الحظ، قد لا نتمكّن أبداً من معرفة الحقائق المخبّأة خلف الكواليس. هل يُعقَل أن الرئيس الأميركي يتعاطف مع "الإخوان المسلمين"؟ يكاد يستحيل تصديق هذا الأمر، لهذا السبب على الأرجح لم تتصدّر تلك المزاعم العناوين الرئيسة.

لكن نظراً إلى الهشاشات التي تعاني منها منطقتنا، والطبيعة المتقلّبة للإدارة الأميركية الحالية، علينا أن نكون مستعدّين لمختلف الاحتمالات. أنا على يقين من أن أجهزتنا الاستخباراتية تعمل خلف الكواليس لمعرفة الحقائق وتبديد الشكوك والالتباسات بما يعود بالفائدة على العرب والغرب على السواء.

Email