الطاقة الإيجابية الحكومية

ت + ت - الحجم الطبيعي

"الطاقة تحول المستحيل إلى مجرد كلمة ووجهة نظر"

محمد بن راشد آل مكتوم

 

في محاضرته القيمّة خلال القمة الحكومية، تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حديث العارفين الواثقين عن أمور عديدة ربما كان من أهمها موضوع الطاقة الإيجابية، مؤكداً على أهميتها في الحياة العملية والسلوك اليومي وقدرتها على صنع النجاح رغم كل التحديات... فما هي هذه الطاقة؟ وكيف يمكن أن نستفيد منها في تعزيز وتطوير الأداء الحكومي وتحسين الإنتاجية والارتقاء بالخدمات الحكومية؟ وكيف يمكن للحكومة أن تستجيب وتُجسّد رؤى وأفكار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، التي تسبق زمنها لترسم لنا خارطة طريق المستقبل المزدهر بعون الله عزّ وجلّ؟

الطاقة الإيجابية مخزون روحي هائل وقوة معنوية داخلية، قادرة على صنع التفوق والتميز والنجاح، وهي القدرة على الفعل والإنجاز النابعة من قوة دفع وتحفيز تحثُنا لتحقيق الأهداف والتغلب على الصعاب، وتحويل التحديات إلى فرص للارتقاء والتطور والنماء.

إنها التفكير الإيجابي، والنظرة المتفائلة التي تؤكد التحفيز الذاتي والقدرة على العطاء المتواصل، وبالتالي النجاح مهما بلغت التحديات. وحين تفكر بالطاقة الإيجابية جيداً فإنك تلمسها في كثير ممن هم حولك، وربما ترى عكسها في آخرين تراهم وتتعامل معهم يومياً.

وقد عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم - رعاه الله - عن ذلك حين قال "أنا ممن يؤمن كثيراً بأن ما ننجزه ونفعله على أرض الواقع هو انعكاس لما نحمله في نفوسنا، وأن الطاقة الإيجابية والتفاؤل يساعداننا في التغلب على التحديات والنجاح في أصعب المهام"، وأضاف سموه "أومن أيضاً بأن الطاقة الإيجابية مثل العدوى نستطيع أن ننقلها لغيرنا، ويمكن أيضاً أن نتأثر بطاقتهم الإيجابية أو السلبية".

والآن كيف يمكن للقطاع الحكومي أن يُسخر هذه الطاقة الإيجابية ويزيد من شعلتها في عقول وقلوب مسؤوليه وموظفيه، من أجل العمل والإنجاز والإبداع والتفوق، ومن أجل الالتزام والإخلاص لدوائرهم وإداراتهم ومتعامليهم وشركائهم ومجتمعهم، وأبناء وطنهم الذين يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على أن هدف الحكومة الأول هو السهر على راحتهم وإسعادهم؟

إنها مسؤولية كبيرة تقع على عاتق مدراء ومسؤولي الحكومة بالدرجة الأولى، وعلى عاتق كل موظف وموظفة في القطاع الحكومي، فالقادة هم رُسل التغيير وفرسان التطوير، وهم باعة الأمل والتفاؤل، وعليهم تقديم القدوة الحسنة أداءً وسلوكاً في هذا المجال وفي أي مجال إيجابي آخر.

الطاقة الإيجابية للقائد تُحتم عليه توفير بيئة عمل إيجابية محفزة، تضمن قيام الموظفين بإنجاز مهامهم على الوجه الأمثل، وبذل أفضل ما لديهم من مهارات ومعارف وقدرات. هذه البيئة التي يوفرها القائد هي بيئة عمل تشجع التعاون والتنافس الإيجابي، بعيداً عن ثقافة تبادل اللوم وتصيّد الأخطاء وعدم الاعتراف بالإنجازات أو نكرانها، وهي بيئة تنظر بشمولية إلى الكأس كاملة للاستفادة مما هو موجود فيها والإضافة إليها والبناء على نقاط قوتها، مع الحرص على تلافي أي نقص أو قصور فيها.

على القادة إيصال رسالة وفكر الطاقة الإيجابية إلى موظفيهم، وتشجيعهم على الثقة بالنفس والرضى عن الذات والنظرة الإيجابية والتفكير الإيجابي في كافة الأمور، واتباع نهج السلوك الإيجابي في الحياة العملية والسلوك اليومي، مع الحرص على الإبداع وإيجاد الحلول للمعوقات والصعوبات والنظر إليها كفرص سانحة للتطوير والتحسين. فلا يكفي أن يكون القائد إيجابياً فقط، وإنما عليه تعميم سلوك الإيجابية، وبثّ روح الطاقة الإيجابية في مكان العمل وبين مرؤوسيه ومع شركائه ومتعامليه.

قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

لذا فإن للموظف هنا دورا واضحا وله حقوق، ولكن عليه واجبات يأتي على رأسها إنجازه لمهامه بأعلى درجة من الدقة والكفاءة والسرعة، ومن الاحترام والنزاهة والمبادرة والإيجابية، فتصرف موظف واحد قد يعكس انطباعاً وصورة إيجابية عن وطن كامل وعن أمة بأسرها.. كم هو جميل أن نسمع أن مجموعة من موظفي حكومة دبي يُبادرون بأنفسهم دون أوامر أو توجيهات، إلى تلبية نداء إنساني للتبرع بالدم لإنقاذ حياة مريض قد يكون من دولة أخرى بحاجة إلى قطرة من دمائهم، وكم هو جميل أن يتم تكريم هؤلاء وتقدير مبادرتهم مع أنهم لم ينتظروّا إشادة أو تكريما.

إنها الطاقة الإيجابية التي تدفع إلى المبادرة والفعل دون انتظار ثواب أو مكافأة، وهي القوة المحفزة التي تدفع آلاف الموظفين لإنجاز مهام عملهم بكل أمانة وإخلاص، وإلى التفاعل الإيجابي والتواصل البنّاء مع رؤسائهم وزملائهم ومتعامليهم، خدمة لوطنهم وأبناء مجتمعهم، وهي الطاقة الإيجابية التي تبني بيئة عمل تجعل من الجميع أسرة واحدة متكاملة ومتكاتفة ومتعاونة.

الطاقة الإيجابية تعني أن نعمل معاً كفريق واحد، لأن الهدف واحد والرؤية مشتركة، وهي تعني أن نطوّر أنظمة عملنا باستمرار ونبسط إجراءاتنا بانتظام، ونخدم متعاملينا بكفاءة واحترام، وننميّ قدراتنا البشرية والمؤسسية بمنهجية والتزام، وهي تعني كفاءة وإنتاجية أفضل وموظفين راضين وملتزمين، ومتعاملين مقدرين وشاكرين، ووطناً أكثر تقدماً وازدهاراً.

لم تحصل دولة الإمارات العربية المتحدة على المركز الأول في الكفاءة الحكومية في تقرير التنافسية العالمية، بمحض الصدفة أو بضربة حظ، لقد كان ذلك نتاج عمل ومبادرة وجدّ وجهد دؤوب، تجسد في رؤية حكيمة، وقيادة ملهمة، وتخطيط محكم، وموارد بشرية قادرة، وأنظمة عمل متطورة، وخدمات متفوقة، وتطوير مستمر. هذا الجهد والعطاء يجب أن يستمر ويتعاظم لتحافظ الإمارات على قدراتها التنافسية ومركزها الأول عالمياً، كما تريد لها قيادتها الحكيمة.

عندما سُئل نابليون بونابرت قائد فرنسا العظيم: كيف زرعت الثقة في قلوب وعقول جنودك؟ قال: "كنت أرد بثلاث على ثلاث؛ من قال لا أستطيع أقول له حاول، ومن قال لا أعرف أقول له تعلم، ومن قال مستحيل أقول له جربّ".

Email